لماذا التقاضي الإستراتيجي؟

التقاضي الاستراتيجي وسيلة مبتكرة وفعالة للمناصرة، إلا أنها قد لا تكون دائماً الخيار الأفضل أو الأنسب. يعتبر رفع دعوى التقاضي الاستراتيجي بلا شك مغامرة مثيرة في حد ذاتها ولحد ذاتها. لكن عليكم التفكير ملياً قبل البدء فيها. يناقش هذا القسم الأخير ما يمكن أن يقدمه التقاضي الاستراتيجي لقضيتكم الأساسية، والصعوبات التي من المرجح أن تواجهكم، وما إذا كان هناك طرق أخرى غير التقاضي الإستراتيجي لتحقيق نفس النتيجة.

1. ماذا يمكن أن يحقق التقاضي الاستراتيجي؟

سيادة القانون

الهدف الأكثر وضوحاً من التقاضي الاستراتيجي هو على نحو ما تحسين القوانين المعمول بها في جهة اختصاص معينة. سواء كان ذلك من خلال تطبيق القوانين الموجودة بالفعل، أو توضيح القوانين التي لم تختبر بعد، أو الطعن في قوانين تعتقدون في ضرورة إلغائها، أو سن قانون جديد. يهدف التقاضي الإستراتيجي إلى استخدام سلطة المحكمة للدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيزها وتغيير الطريقة التي تنظم بها القوانين السلوكيات في مجتمع معين.

 

تطبيق القوانين: إذا وجدت قوانين سارية في جهة اختصاص وهذه القوانين ببساطة لا تحظى بمتابعة، بإمكانكم رفع دعوى تقاضي إستراتيجي للفت الانتباه لهذا الأمر، وتحسين وضمان تطبيقها. على الرغم من أن الأشخاص المقيمين في نطاق جهة الاختصاص تلك قد يكون مكفول لهم بالفعل حقوق وضمانات معينة، فذلك لا يهم سوى قليلاً لو أنهم في الواقع لا يتلقون تلك الضمانات أو ليس بإمكانهم ممارسة تلك الحقوق.

 

توضيح القوانين: بإمكانكم رفع دعوى تقاضي استراتيجي لتوضيح قانون موجود. قد يسهم التقاضي الاستراتيجي في تعزيز قوة قانون ما أو نظام قانوني بصفة عامة وذلك بتقديم تفسير وفهم أفضل لكيفية عمل القانون والنظام.

 

الطعن في القوانين: ترفع أغلب دعاوى التقاضي الاستراتيجي للطعن في قوانين أو سياسات تنتهك الحقوق والضمانات. بإمكان التقاضي الاستراتيجي منع تطبيق تلك القوانين، وإلغائها من البنية التشريعية، وإجبار الحكومة أو غيرها من المدعى عليهم لتغيير السياسات والممارسات.

 

سن القوانين: بإمكان التقاضي الاستراتيجي الكشف عن الفجوات في القوانين الموجودة، وبإمكانه في نفس الوقت إيجاد قوانين وسوابق جديدة. بإمكان التقاضي الإستراتيجي أيضا تمهيد الطريق لقضايا مستقبلية، وكذلك التعجيل بتطوير ممارسات وسياسات جديدة للتعامل مع انتهاكات الحقوق أو توفير ضمانات أخرى على أرض الواقع.

المناصرة

قد يكون التقاضي الاستراتيجي وسيلة ممتازة من وسائل المناصرة وتعزيز قضيتكم الأساسية أو الغرض العام من عملكم، وقد يكون لقضية واحدة أثر كبير. المناصرة داخل قاعة المحكمة ليست سوى جزء واحد من التقاضي الاستراتيجي، وقضيتكم تمنحكم الفرصة لتوصيل رسالتكم للإعلام، والجمهور ، والسلطات الحاكمة.

الوعي

يسهم التقاضي الاستراتيجي في وضع قضية معينة أو مطلب معين في بؤرة الضوء، وأحياناً ما يكون ذلك بنفقات أقل كثيراً من نفقات حملة إعلامية شاملة. قد يسهم هذا الاهتمام في رفع الوعي العام، وخلق النقاش والجدل العام. مع اعتبار أن أغلب إجراءات المحاكمات تكون مفتوحة وعامة في الكثير من جهات الاختصاص، فقد يكون ذلك أيضا فرصة ممتازة لتغطية إعلامية لكافة الأطراف والمنظمات المشاركة في الدعوى لخلق رأي عام موحد لتأييد قضيتكم الأساسية. إن تغيير المواقف العامة إذا كان ملموساً على أرض الواقع له أهمية كبرى لإحراز أي نصر.

  • التقاضي الاستراتيجي أيضا يخلق سجل بالمظالم التي تكمن وراء قضيتكم ليراه الجميع. حتى إن خسرتم الدعوى، يظل بإمكانكم تسليط الضوء على تلك المظالم، ووضع أساس لإنجاح الجهود المستقبلية.

التعليم

يمكن للتقاضي الاستراتيجي أن يُعلّم المحاكم والمشتغلين بالقانون عن قضيتكم الأساسية وكيف تتسبب القوانين في حل المشكلة أو تفشل في حلها. بينما ينتشر الوعي، قد تؤدي قضيتكم حتى لتقديم برامج تدريب رسمية سواء داخل أو خارج جدران دار القضاء.

الإصلاح

قد يخدم التقاضي الاستراتيجي كطريقة للناس لينظموا أنفسهم ويمارسون الضغط على الحكومة من أجل تغيير اجتماعي أو إصلاح قانوني. قد يأتي هذا الضغط سواء من داخل دائرة الاختصاص أو من خارجها؛ كثيرا ما يصبح التقاضي الاستراتيجي موضوع للنقاش على المستوى الدولي. بإمكان الدعاوى القضائية الإستراتيجية محاسبة الحكومات على تصرفاتها، وحشد المجتمعات، وتغيير المواقف العامة، وتمكين ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من الضغط بأنفسهم من أجل الإصلاح.

2. ما هي صعوبات التقاضي الإستراتيجي؟

الأحكام السابقة

من أحد الأسباب الرئيسية لرفع دعوى تقاضي استراتيجي هو الوصول لأحكام تقتدي بها القضايا المشابهة في المستقبل. كما ذكرنا من قبل، يختلف الأثر الذي تحدثه قضيتكم تبعاً للنظام القضائي المعمول به في جهة الاختصاص التي ترفعون أمامها القضية. فإذا كان لقضيتكم قيمة قليلة بالنسبة للمدعين المستقبليين. فكروا مرتين قبل رفعها.

 

المحكمة الأعلى: في جهات الاختصاص التي تعتمد كثيراً على السوابق، لن يكون لقضيتكم أثر كبير ما لم تنظرها أعلى محكمة موجودة. بسبب الطرق المختلفة التي يجري بها الاستئناف، فقد لا تتاح لكم الفرصة دائماً للحصول على حكم من المحكمة العليا.

 

الخسارة: تذكروا أنه إذا خسرتم قضيتكم، فقد تكونوا بذلك قد وضعتم سابقة سيئة أو أضفتم عقبة أمام القضايا المستقبلية. خسارة قضية قد يدعم أو يعزز قانون سيئ أو ممارسة سيئة، مما يزيد الأمر سوءاً. من الناحية الأخرى، فقد تسهم خسارة القضية على نحو ظالم في تعزيز قضيتكم الأساسية بصفة عامة.

التكلفة

قد يكون التقاضي الاستراتيجي طريق مكلف جداً وطريقة باهظة الثمن لشن حملة مناصرة أو لفت الانتباه للقضية. من الصعب توقع النفقات والرسوم القانونية، وقد تصبح عائق في طريقكم. بالإضافة لهذا، قد ترغمون أيضا على دفع نفقات الطرف الرابح إذا كنتم أنتم الطرف الخاسر. إن لم تتمكنوا من إيجاد محامي بأجر معقول أو متطوع لتولي قضيتكم، فالأفضل لكم الاستفادة من مواردكم بأشكال أخرى من أشكال المناصرة تكون أقل تكلفة أو أكثر استقرارا وتوقعاً من حيث النتيجة.

التحكم

قد يكون من الصعب التحكم في التقاضي الاستراتيجي حيث يتدخل المدعون والمحامون في حملتكم. بشكل مفهوم، قد لا يكون المدعون في التقاضي الاستراتيجي العملاء المثاليين للبدء معهم. فبعضهم قد يخاف، أو يدلون بشهادات غير متسقة، أو لديهم موارد قليلة، أو يفتقرون إلى التعليم اللازم لفهم الإجراءات القانونية بشكل كامل. خصوصاً عندما يشارك الكثير من هؤلاء المدعون في القضية، قد لا يكون تناول ومتابعة القضية بالأمر السهل. المحامون أيضاً مصدر آخر للنزاع. وقد تجدون أنكم لستم دائما على أتفاق معهم في آرائهم أو استشاراتهم القانونية، كما قد تفضلون التحكم بشكل أكثر قرباً في إستراتيجية المناصرة.

الافتقار للحياد

حيثما تكون المحاكم أقل استقلالية عن الحكومة، فقد لا يستحق الأمر رفع دعوى تقاضي استراتيجي لتغيير طريقة عمل القانون، بدلا من هذا قد يكون من  الحكمة تحاشى جلبة المحاكم، والاستفادة من جهودكم في إقناع السلطات الحاكمة مباشرة بتغيير قوانينها أو سياساتها أو ممارستها.

الأثر

كما هو الحال في أي دعوى قضائية، لا يمكن ضمان الناتج. حتى إذا فزتم بالدعوى داخل المحكمة، فقد يكون لقضيتكم أثر قليل على أرض الواقع إن لم يوجد نظام لتطبيق الحقوق أو الممارسات أو السياسات الجديدة. من المهم أيضاً أن تتذكروا أن حكم المحكمة لا يعكس بالضرورة الرأي العام، وقد يتوفر لديكم دعم قليل لإحداث التغيير على أرض الواقع. إذا وجدت معارضة واسعة، فقد يحدث حتى أن تقلب الحكومة النتيجة بتشريع قانون جديد أو قاعدة جديدة. إذا تخوفتم من أن يكون لقضيتكم أثر قليل في المجتمع أو في دائرة الاختصاص التي رفعتم أمامها القضية، فكروا أولا في المحاولة بطرق أخرى للمناصرة لبناء الدعم وتمهيد الطريق للتغيير.

خطورة الضرر

قد يصبح التقاضي الاستراتيجي عملية مطولة ومستنفذة للجهد ومؤلمة، وقد يكون الخطر النفسي أو حتى البدني الذي قد يتعرض له المدّعون كبيراً. بينما قد يعد التقاضي الاستراتيجي بتغييرات منهجية واسعة النطاق، لا ينبغي أن تنسوا أمر هؤلاء الذين تضرروا مباشرة بسبب قضيتكم.

  •  خاصة إذا كانت قضيتكم تتضمن أطفال، الذين قد يكونون عرضة للخطر بشكل خاص، عليكم التفكير مرتين قبل رفع دعوى تقاضي استراتيجي حيثما وجدت مخاوف بشأن تأثير ذلك بشكل سلبي على سلامتهم وحياتهم.

3. هل التقاضي الإستراتيجي هو الخيار السليم؟

أشكال أخرى للمناصرة

ليس التقاضي الاستراتيجي سوى إستراتيجية واحدة من عدة استراتيجيات ممكنة لمناصرة قضيتكم الأساسية. وعليكم عند التقرير ما إذا كنتم سترفعون دعوى تقاضي إستراتيجي أم لا أن تنظروا وتفكروا في سائر الطرق الأخرى التي يمكنكم الاستفادة بمواردكم فيها لبلوغ أهدافكم. إذا كان بإمكانكم تحقيق نفس النتيجة أو نتيجة مشابهة من خلال حملات التوعية العامة، أو جهود الضغط، أو برامج الوصول للمجتمعات، أو غيرها من طرق المناصرة بدون تكبد النفقات أو المخاطرة بقرار محكمة غير متوقع، فقد ترغبون في الاستفادة من مواردكم في حملات مناصرة لا تتضمن المحاكم والقضاء.

مواصلة النضال

يمكن للتقاضي الاستراتيجي أن يحقق انتصارات مبتكرة أو غير مسبوقة حقيقةً وأن يغير نسيج المجتمع، لكنه قد يصبح أيضاً مسلك مكلف ويفتقر للتأييد الشعبي وله نتائج غير مؤكدة أو غير فعالة. مع ذلك، أنتم من تحددون خطوطه، فالتقاضي الاستراتيجي وسيلة مناصرة شيقة ومبتكرة على نحو لا يصدق. وسواء قررتم رفع دعوى تقاضي استراتيجي أم لا، من المهم قبل كل شئ أن تجدوا أفضل الطرق لدعم قضيتكم الأساسية ومواصلة النضال من أجل التغيير.

لمزيد من الأمثلة عن التقاضي الاستراتيجي لحقوق الطفل، انظر:  strategic litigation case studies.