أربع سنوات مرت: مكافحة الإفلات من العقاب عن جرائم الحرب في سوريا

"من غير المعقول أن تستمر معاناة السوريين كما هو الحال على مدى السنوات الأربع الماضية، وأن يعيشوا في عالم حيث بذلت محاولات محدودة فقط لعودة السلام إلى سوريا والسعي إلى تحقيق العدالة للضحايا".

 

كانت هذه كلمات باولو بينيرو حين قدم آخر تقرير للجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في نهاية شهر فبراير/ شباط. وكان هذا هو التقرير التاسع الذي قدمه إلى مجلس حقوق الإنسان منذ تأسيس اللجنة، وهو انتقاد حاد آخر إلى المجتمع الدولي الذي يسمح للصراع في سوريا بأن يستمر ليدخل عامه الخامس.

 

تمتعت لجنة تقصي الحقائق بالجرأة والصراحة في تقديم الدلائل،  حيث وثقت وأبلغت عن أبشع الانتهاكات للحقوق، من الإعدامات العلنية إلى تجنيد الأطفال وتزويجهم والاعتداء الجنسي، وغيرها العديد من ذلك، وقد بذلت اللجنة قصارى جهدها لدعوة المجتمع الدولي للتحرك وأعطت أملا لمن يشعرون باليأس تجاه الإفلات من العقاب عند مواجهة أهوال الحرب في سوريا. تكلم السيد بينيرو بوضوح عن إخفاقات المجتمع الدولي في مارس/آذار عام 2014: فقال:  "يتحمل مجلس الأمن مسؤولية عدم التطرق للمساءلة والسماح للأطراف المتحاربة بانتهاك هذه القواعد والإفلات التام من العقاب".

 

عملت كرين أيضا على تقديم تقارير عن الصراع والأثر المريع الذي تركه على الأطفال في جميع أنحاء المنطقة منذ بداية اندلاع الصراع (يمكنك الذهاب إلى تقرير كرين بعنوان "عين على سوريا" خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي للاطلاع على خلفية كاملة عن النزاع).

تنشر كرين هذه المقالة بمناسبة هذه الذكرى الكئيبة، وعلى الرغم من أنها لن تمحي تلك الحقائق، إلا أنها ستتطرق لمسألة الإفلات من العقاب وما يجب القيام به في جميع أنحاء العالم لمسائلة الجناة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال الصراع في سوريا.

 

الإفلات من العقاب والسعي لتحقيق العدالة

 

انتقدت الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، على نطاق واسع لتقاعسها عن التحرك من اجل سوريا،  كلف مجلس الأمن  بشكل خاص  لتنفيذ التدابير للضغط على المتقاتلين وأيضا لوضع الأسس لمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل،  حيث أصدر المجلس عام 2014 قرار رقم 2139 والذي يقر فيه بالحاجة إلى إنهاء الإفلات من العقاب وتقديم الجناة إلى العدالة، ولكن لم ينتج عن ذلك حتى الآن أي إجراء ملموس. أصدر مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، قرارا يدين استخدام المواد الكيميائية السامة مثل الكلور في سوريا ودعى فيه للمساءلة، ولكن هنالك أيضا تقصير في تنفيذ إجراءات ملموسة على ارض الواقع.

 

لقد دعت لجنة التحقيق مرارا وتكرارا مجلس الأمن لإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية  أو محكمة دولية متخصصة،  رفض مجلس الأمن الدولي في مايو/أيار عام 2014، قرارا من شأنه إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من احتمالية أن يكون له تأثير حاسم في تحريك التحقيق الذي قد يؤدي يوما ما إلى محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. لم تصادق سوريا على نظام روما الأساسي ولم تحل الوضع في البلاد إلى المحكمة الجنائية الدولية بنفسها، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لتكون المحكمة قادرة على النظر في انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت خلال الصراع هي بأن يحيل مجلس الأمن القضية إلى المحكمة.

  استقال اثنان حتى الآن من المبعوثين الخاصين المشتركين بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا بسبب الأزمة المستعصية، بينما علقت الجامعة العربية عضوية سوريا في المنظمة، لكنها فشلت في الضغط من اجل إيجاد عملية سلام ذات مغزى أو اتخاذ خطوات لمحاسبة الجناة.

 

وفي غياب العدالة الدولية، فقد تضاءلت آليات محاسبة الجناة ولكنها لم تختفي،  فعندما تكون الظروف ملائمة سيكون للمحاكم الوطنية التابعة لدول أخرى سلطة تشريعية على الجرائم التي ارتكبت في سوريا،  ففي حالات معينة، قد تكون تلك المحاكم قادرة على ملاحقة مواطنيها عندما يعودون إلى الوطن بعد تورطهم بشكل مباشر في النزاع أو الذين قدموا الدعم أو المساعدة وهم موجودين داخل أوطانهم.

 

حاكمت عدة دول مواطنيها للمشاركة في النزاع في سوريا، ولكن كان اعتمادهم بالدرجة الأولى على تشريع مكافحة الإرهاب بدلا من التركيز بشكل مباشر على مساءلتهم عن انتهاكات الحقوق. أدانت محكمة بريطانية في مايو عام 2014 رجلا بتهمة “القيام بأعمال إرهابية" بسبب انضمامه إلى مجموعة عسكرية في سوريا، و أدانت المحاكم الألمانية أيضا رجل في عام 2014 بتهمة "الانتماء إلى منظمة إرهابية" بسبب انضمامه إلى تنظيم الدولة الإسلامية. على الرغم من أن كون الدافع لمثل هذه الملاحقة القضائية هي أسباب تتعلق بالأمن القومي، ومن المرجح أن تكون المقاضاة بحجة الإرهاب أسهل بكثير من تلك التي تتعلق بانتهاكات الحقوق، ولكنها تثبت أن المحاكم الوطنية على استعداد لمساءلة مواطنيها عن الجرائم التي ارتكبت خارج حدود الدولة، وهي قادرة على القيام بذلك.

 

أصدرت محكمة مقاطعة سوديرتورن في السويد أول حكم في البلاد بسبب مخالفة ارتكبت خلال الصراع السوري، ما يميز هذه القضية عن غيرها من القضايا التي سبقتها في أوروبا هو كونها إدانة لانتهاك الحقوق وليست إدانة بسبب عمل إرهابي،  حيث أدين السيد مهند دروب بتهمة الاعتداء على عنصر من قوات الأسد كان قد القي القبض عليه وهو يحارب الجيش الحر عام 2012 وقد حكم السيد مهند بالسجن مدة خمس سنوات،  حيث ظهر في شريط مصور وهو يضرب السجين الذي كان مكبلا، وانتشر الفيديو عبر موقع فيسبوك،  وكان قد هرب في وقت لاحق من سوريا وطلب اللجوء في السويد، وعندما انتشر الفيديو للعلن، أصبح من الممكن ملاحقته  قضائيا.

 

من الممكن أيضا تقديم غير المواطنين للمساءلة بموجب "الولاية القضائية العالمية" والذي يحدث عندما يسمح احد أطراف القضاء الوطني للنيابة العامة بمقاضاة الأفراد الذين يزعم ارتكابهم لجرائم دولية خطيرة في بلدان أخرى،  حتى لو لم تكن الضحية والمتهم هم من رعايا الدولة التي تقاضيهم.

 

وقد بدأت بعض الدول الأوروبية بجمع المعلومات عن الجرائم المرتكبة في سوريا من خلال مقابلة اللاجئين القادمين إليها وطالبي اللجوء الذين يمكن أن يكونوا شهودا على جرائم.  لدى ضباط الهجرة الألمانية آلية لسؤال طالبي اللجوء ما إذا كانوا قد شهدوا جرائم حرب وما إذا كانوا قادرين على تحديد المسؤولين عن تلك الجرائم، ويمكن لهذه المعلومات أن تكون أساسا لمقاضاة أي مجرم حرب عندما  يدخل أراضيها، أو لدعم الملاحقات القضائية الدولية أو السورية في المستقبل.

 

لا نستطيع القول بأن هنالك ولاية قضائية عالمية قريبة محتملة على الجرائم المرتكبة في سوريا، ولكن تعتبر هذه العملية هي الطريق الصحيح في ملاحقة نزاعات أخرى. أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرا في سبتمبر/ أيلول عام 2014 يوثق وجود وحدات مختصة بجرائم الحرب في فرنسا وألمانيا وهولندا والتي استخدمت الولاية القضائية العالمية لملاحقة جرائم ارتكبت في جميع أنحاء العالم، وقضايا متعلقة بالولاية القضائية العالمية الناجمة عن الصراعات حول العالم، مما جعل استخدامها متداول.

 

فعلى سبيل المثال، مثل عقيد سابق في الجيش النيبالي أمام محكمة في لندن للمحاكمة بتهمة أعمال التعذيب التي ارتكبت في نيبال عام 2005، اعتقل المتهم في بلدة ساحلية في المملكة المتحدة بينما كان في إجازة من بعثة الأمم المتحدة إلى جنوب السودان، وذلك حسب القانون البريطاني الذي يسمح بالولاية القضائية العالمية في ملاحقة قضايا التعذيب،  وفي قضية أخرى رفيعة المستوى، تسير الإجراءات القانونية قدما في السنغال لمحاكمة الدكتاتور التشادي السابق حسين حبري بتهمة ارتكاب جرائم مزعومة ضد الإنسانية وجرائم حرب وتعذيب، وذلك باستخدام الولاية القضائية العالمية. توجد الآليات اللازمة لمسائلة الجناة ومحاسبتهم، إذا وجدت الظروف المناسبة، ولكنها تتطلب التحضير الفعال وجمع الأدلة والمناصرة لجعلها حقيقة واقعة.

 

الخاتمة

 

كانت إحدى مهام لجنة التحقيق هي تحديد قائمة سرية من مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان وتسجيل الأدلة التي تربط أولئك الجناة بتلك الجرائم أو الانتهاكات،  وأفادت اللجنة في فبراير/ شباط أنها قدمت للسلطات الوطنية المعلومات التي جمعتها خلال تحقيقاتها من أجل دعم المحاكمات الوطنية، وأنها على استعداد لتزويد المعلومات إلى المحاكم الوطنية مؤكدة على استخدام  الولاية القضائية العالمية إذا كانت الدولة المعنية قادرة على تلبية المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

 

فكما قالت ليزلي هاسكل، محامية العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش أن"الولاية القضائية العالمية هي شبكة أمان ضرورية للضحايا الذين ليس  لديهم أي حل آخر"،  لا تعتبر هذه الآليات القانونية حلا لمشكلة الإفلات من العقاب المنتشرة على نطاق واسع عن الجرائم المرتكبة في سوريا، وهي ليست إلا حل جزئيا  للنزاع ذا النطاق الواسع، ولكنها ما تبقى لمساءلة الجناة عندما يفشل المجتمع الدولي في التحرك بفاعلية لمسائلة منتهكي حقوق الإنسان.

 

معلومات إضافية:

مصادر عن حقوق الطفل والصراع في سوريا

_     كرين، "عين على سوريا"

_      كرين ،"عين على العراق"

_     لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، التقرير التاسع إلى مجلس حقوق الإنسان

_     لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، الحكم الإرهابي: العيش في سوريا تحت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام 

_     الفريق العامل المعني بالأطفال والصراعات المسلحة، استنتاجات بشأن الأطفال والصراعات المسلحة في الجمهورية العربية السورية، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014

_     هيومن رايتس ووتش، "قد نعيش وقد نموت": تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل الجماعات المسلحة في سوريا، يونيو/حزيران 2014 

_      هيومن رايتس ووتش، لم تعد آمنة: الاعتداءات على الطلاب والمدارس في سوريا، يونيو/حزيران 2013

 

مصادر عن الولاية القضائية العالمية ووحدات جرائم الحرب:

_      هيومن رايتس ووتش The long arm of justice: Lessons from specialised war crimes units in France, Germany and the Netherlands، أيلول 2014

      _ Redress and FIDH, Strategies for the Effective Investigation and Prosecution of Serious International Crimes: The practice of specialised war crimes units, December 2010

 

 

 

 

 

 

 

Promotional Image: 

Please note that these reports are hosted by CRIN as a resource for Child Rights campaigners, researchers and other interested parties. Unless otherwise stated, they are not the work of CRIN and their inclusion in our database does not necessarily signify endorsement or agreement with their content by CRIN.