أضافه crinadmin في
لبنان: الأطفال يتحولون جنود مع كل أزمة أمنية ويحتلون الشوارع
يعتبر تجنيد الأطفال أكثر شيوعاً في البلاد التي تعاني النزاعات الداخلية، وهو ما تم توثيقه في لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية (5791- 0991) التي شهدت استعانة بـ«الأطفال المتطوعين» في شريحة عمرية بين 41و81سنة في نقل المؤن إلى الخطوط الأمامية وتدريبهم على القتال في فترات الذروة. كما عُرف عن «جيش لبنان الجنوبي» الموالي لإسرائيل والذي حُلّ بعد انسحابها، تجنيده الأطفال بسن الـ41، بأساليب مختلفة وعبر تهديد مباشر لحياتهم ولذويهم. ومن المعروف أنه غالباً ما يتورط الأطفال الذين يُجنّدون في صفوف الميلشيات بالإدمان على المخدرات أو الكحول وغيرها من الأمور التي تهدد مستقبلهم، حتى ولو انتهت مرحلة تجنيدهم.
في الوقت الحالي، لا توجد معالم بارزة لما يُسمى بظاهرة «الجنود الأطفال»، إلاّ أن ظهور عدد من «الأطفال» مدججين بالأسلحة يجوبون شوارع بيروت في أحداث أيار (مايو) الماضي، أبرزت الموضوع من جديد. وتقول أم فراس، إحدى سكان كركول الدروز في بيروت: «دخل إلى منزلي خمسة فتية، أكبرهم لا يبلغ تسع عشرة سنة، أحدهم توجه لي بكلام نابٍ، فقلت له: عيب، إنك بعمر ولدي. سألني وكم عمر ابنك، أجبت سبع عشرة ردّ قائلاً: لا ابنك أكبر، ولكن الرجل لا يُقاس بعمره».
ينص البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة على أن «الطفل الجندي» هو أي شخص دون الثامنة عشرة من عمره، يكون مشتركاً في أي نوع من أنواع القوات أو الجماعات المسلحة النظامية وغير النظامية منها وبأي صفة كانت «ويشمل التعريف الفتيات اللواتي تجنّدن لأغراض جنسية وإرغامهن على الزواج». ومصطلح «الطفل الجندي» لا يسري فقط على طفل يقوم بحمل السلاح أو قام بالفعل بحمله، إنما يشتمل أيضاً على حماية أكبر عدد ممكن من الأطفال، وضمان اندماجهم وإدراجهم في عملية تسريح الجنود وبرامج إعادة الاندماج.
يقول رئيس حركة السلام الدائم فادي أبي علام إن الحركة بالتعاون مع الهيئات الأهلية تحسست أهمية قضية «الجنود الأطفال» في لبنان، وهي تعمد إلى القيام بخطوات حثيثة، من بينها إطلاق مشروع يقضي بوقف استخدام الأطفال كجنود، عبر الطلب الى المجلس النيابي، المصادقة على البروتوكول الاختياري وتحديد الموجبات القانونية التي قد تنشأ عن عملية المصادقة.
لبنان على اللائحة السوداء
وعلى رغم أن مختلف الأحزاب اللبنانية تنفي وجود ما يُسمى بالجنود الأطفال في لبنان، إلاّ أن اسم لبنان ظهر عام 7002 على اللائحة السوداء، الصادرة كوثيقة عن الأمم المتحدة، وتضم 53 دولة متهمة بتجنيد الأطفال، دون سن 51، في السنوات العشر الأخيرة أي بين 7991و7002. ولا يزال الحديث عن هذه الظاهرة، يطفو مع كل هبة أمنية جديدة. وتسارع الأحزاب اللبنانية إلى نفي أي معلومات عن تدريبات عسكرية، تحصل من قبلهما للفتية لا سيما في المخيمات الكشفية.
ولكن هذا النفي لا يلبث أن ينتفي بدوره، مع كل خضّة أمنية، مع ظهور فتية تتراوح أعمارهم، بين الـ51والـ52، من روّاد نواصي الأحياء السكنية، في أيام «السلم»، يسارعون إلى ارتداء جعبهم العسكرية وأسلحتهم، التي تبدو أثقل منهم، ويتوجهون إلى الشوارع. فتية يفاخرون بين أصدقائهم «بأنهم على دراية تامة باستخدام الأسلحة، لأنهم خضعوا لدورات تدريبية، من قبل هذا الحزب أو ذاك». ومن لا يُستخدم منهم في «حملات التمشيط»، يستطيع أن يحجز مكاناً له في عملية إحراق الدواليب وقطع الطرق، ورشق الحجارة، وهذه الأعمال غير بعيدة من عمليات استغلال الأطفال التي تُصنف مرحلة من مراحل تجنيد الأطفال. وإضافة إلى هذه الممارسات، يندرج تحت هذه التسمية تدريب الأطفال على نقل المعلومات والرسائل فضلاً عن الخدمة في المعسكرات أو في مواقع المقاتلين.
وفي وقت فوجئت فيه أم علي، بابنها الأوسط (51سنة)، عندما أخرج سلاح كلاشينكوف من خزانة كان يقفلها بمفتاح لا يفارقه، قبل أن يتوجه إلى ناصية كنيسة مار مخايل في كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، تقول جارتها، والدة إبراهيم (91سنة)، الذي قتل في حرب تموز (يوليو) 6002، «منذ بلغ الـ51، بدأ يتغيّب عن المنزل. إلاّ أنه كان يطمئنني بأنه لا يوجد حرب. عند استشهاده ربطت جميع الأمور ببعضها». وتضيف دامعة: «عندما ذهب إلى خدمة العلم قال لأخته انتبهي إلى أمي إنها لا تتحمل الزعل. أين هو الآن؟ فليأتِ ويرى ما الذي يحصل معي!». تتعارض مواقف السيدتان مع مواقف زوجيهما اللذين يعتبران أن على الشاب تحمل المسؤولية منذ الصغر «لأنه رجل».
أفراد كثر قتلوا في الأحداث الأمنية المتتالية في لبنان، جميعهم «أطفال» بنظر الشرعية الدولية، لأنهم دون سن الثامنة عشرة. وكل ما تقوم به الأحزاب هو استغلال هؤلاء على أنهم ضحايا، من دون الاعتراف بأنهم كانوا يحملون سلاحاً. وعلى سبيل المثال، وعلى رغم تأكيد إحدى الحركات أنه لا يوجد في صفوف منتسبيها أي عنصر تحت الثامنة عشرة من العمر، إلاّ أنه وفي تاريخ 72 حزيران (يونيو) 8002، نعت أحد عناصرها والبالغ من العمر 71 سنة، الذي قتل في ظروف غامضة في الجنوب، في بيان مقتضب جاء فيه «استشهد أثناء قيامه بواجبه الجهادي».
جمعيات الكشاف كغطاء؟
وتتجه الأنظار إلى الجمعيات الكشفية، حول إذا كان يتم خلالها العمل على تدريب الأطفال على السلاح، في خطوة تحضيرية إلى استخدامهم، وقت الحاجة. وفي هذا الإطار تؤكد جميع الجمعيات الكشفية في لبنان التابعة لأحزاب مختلفة، أنها جميعها خاضعة لاتحاد كشاف لبنان، وأن ما من شبهات حول ما تقوم به، لأنها تخضع لإشراف اتحاد الكشاف العالمي. وإن كانت جميع هذه الجمعيات أكدت، أن واحدة من الأسس المهمة التي يتعلمها الكشاف الرياضة البدنية، والنظام المرصوص وغيرها من الأمور التي تساعد الطفل على أن يحافظ على لياقته البدنية.
ويعتبر المسؤول الإعلامي لحزب الله د. حسين الرحال، أن التطرق لهذه الفكرة، خدمة كبيرة للعدو الصهيوني، الذي يسعى بشتى السبل لإثبات ما هو غير صحيح. وكان حزب الله رد، بعيد حرب تموز (يوليو)، على تقرير إسرائيلي أشار إلى أن حزب الله يقوم بتجنيد الأطفال عبر «كشافة المهدي»، فوزع كُتيّباً تحت عنوان «بين الحقيقة والتضليل، رداً على الافتراءات الصهيونية.
ويرى ناشطون في المجتمع المدني، أن المشكلة تكمن في الثقافة العامة في لبنان، التي لا تعترف بتصنيف من هم تحت الـ 81سنة كأطفال، على خلاف ما تنص عليه شرعة حقوق الطفل العالمية.
ويشير فادي أبي علاّم إلى أن المشكلة تكمن في التربية التي ينشأ عليها الطفل، والتي تتفاقم في ما بعد إلى أن تتحول إلى أفكار متجذرة، تؤسس لثقافة الحرب.
التحاق... بالتدخين
ويعتبر أبي علاّم أن الأطفال يلتحقون بالمجموعات العسكرية من أجل إثبات الذات، تماماً كما يفعلون حين يبدأون بالتدخين أو قيادة السيارة. السلاح يعطيهم الإحساس بالبطولة، وتقوم المنظمات الحزبية بتأمين هذه «النشوة» لهم، كما يقومون بإعطائهم بعض المال. ويؤكد أبي علام أن الأحزاب تلعب على ملء الفراغ العاطفي في حياة هؤلاء، واللعب على المشاعر المذهبية والطائفية، لا سيما إذا ما توافر عند أحدهم شرط الأخذ بالثأر.
يشكل الأطفال في لبنان قنبلة موقوتة، تستخدم من قبل مختلف الفرقاء، الذين يظهرون الأطفال في مختلف المهرجانات السياسية بثياب جنود. ويقدمون في استعراضاتهم، أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 41 سنة، على أنهم «مجاهدون»، ويقومون بجر الصواريخ والعتاد العسكري في إشارة من أحزابهم، على أن الجيل القادم سيكمل الطريق، بصرف النظر عن نهايتها.
أُسر طفلاً... ولن يقبل لأبنائه الدرب نفسه
«الأمر الذي لا يمكن أن أنساه، يوم قاموا بضربي لأنني كنت ألعب برجلي، كنت أنزف بشدة، إلاّ أنني كنت أقوم برفع رجلي الواحدة تلو الأخرى. لا أعلم لماذا كنت أقوم بذلك، كنت أحب أن ألعب بهذه الطريقة، وعندما رآني المحقق العسكري الإسرائيلي، أقوم بذلك، أمر بضربي، مجدداً». هذا المشهد لا يزال عالقاً برأس الأسير المحرر نبيه عواضة، على رغم مرور حوالى عشرين عاماً عليه.
لقد كان عواضة في الـ 61 من عمره عندما اعتقل، أثناء تنفيذه عملية عسكرية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي. وبقي في السجن، عشرة أعوام، أمضى خلالها أولي سنوات شبابه خلف القضبان.
بعد مرور عشر سنوات على تحريره، يسأل نبيه عواضة نفسه عشر سنوات يمكنها أن تمحي الأخرى؟ سنوات التحرير أم سنوات الأسر؟ ويحاول قدر الإمكان التهرب من الإجابة، لأنه في كل الحالات يخلص، إلى أن سنوات الأسر هي الأقوى، فهو يحلم بأن يكون، «نبيهاً فقط، مجرداً من لقب الأسير المحرر، ويحسد كل من يمر من أمامه ولا يحمل ثقل الماضي على كاهله. لا يندم على القضية، ولكنه يندم على أنه ولد في ظروف ليس فيها الكثير من الخيارات... التحق بجبهة المقاومة الوطنية، كان مخبراً وهو في الـ 31 من عمره، ومقاتلاً في الـ 41 وتحول أسيراً في الـ 61.
يقول عواضة، ان القضية التي اعتقل في سبيلها قضية سامية، ولكنه علم متأخراً أنه كان في إمكانه أن يؤدي دوراً أهم، وأنه لو حافظ على حريته، لكان من الممكن أن يقوم بأي شيء آخر.
أصبح نبيه أباً، ويقول إنه سيسعى جاهداً كي يعلم أطفاله ويثقفهم، وأن يبعدهم قدر الإمكان عن السلاح، ومتى بلغوا الـ 81، ستكون لهم الحرية بأن يفعلوا ما يريدون، لأنهم سيكونون ملمّين بكل ما يحيط بهم، ويصبح في إمكانهم أن يختاروا عن وعي.
كان طفلاً في المعتقل، وكان الأسرى الذين يكبرونه يحاولون ألاّ يفقدونه هذا الشعور، «لقد كنت دلّوع المعتقل»، يقول نبيه. ولا يلبث أن يكرر: «السجن قاسٍ قاسٍ جداً».
هل يجب مقاضاة الجنود الأطفال؟
لم يتناول القانون الدولي في شكل مباشر قضية ما إذا كان ينبغي مقاضاة الجنود الأطفال على الفظائع التي يرتكبونها إبان النزاعات المسلحة. ولا يتضمن البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل في شأن اشتراك الأطفال في الصراعات المسلحة على أي أحكام محددة حول ما إذا كان يتعين مقاضاة الجنود الأطفال، أو ما هي السن المناسبة للمسؤولية الجنائية (أي السن التي يمكن فيها اعتبار الشخص قادراً على التمييز بين الخطأ والصواب، وحيث يكون لديه مقياس ما للمسؤولية عن أفعاله، وعندما يكون من الملائم إجراء تحقيق جنائي في مثل تلك الأفعال).
إلاّ أن منظمة العفو الدولية أصدرت، في كانون الأول (ديسمبر) 0002، وثيقة بعنوان «الجنود الأطفال: مجرمون أم ضحايا؟». والوثيقة أُعدت للإسهام في النقاش الدائر حول المحكمة الخاصة المقترحة في شأن سيراليون وفي الحوار بين الأمم المتحدة والوكالات المعنية بحماية الأطفال وشعب سيراليون حول ما إذا كان ينبغي مقاضاة الجنود الأطفال.
حددت الوثيقة الخطوط العريضة للقضايا ذات العلاقة بالحالات التي يتم فيها تجنيد الأطفال من جانب البالغين بهدف استخدامهم في الأعمال الحربية، وحيث يُشتبه في ارتكابهم انتهاكات خطيرة للقانون الجنائي الدولي. وتشير الوثيقة إلى أن منظمة العفو الدولية تدعو، من حيث المبدأ، إلى تحميل جميع الذين ارتكبوا جرائم خطيرة، من قبيل جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، مسؤولية أفعالهم.
وفي الحالات التي ارتُكبت فيها جرائم على أيدي أطفال، وخصوصاً إذا كانوا قد تعرضوا للإرهاب وزرع الروح الوحشية في نفوسهم، كحقن بعض الجنود الأطفال في سيراليون بالمخدرات، ولم يكونوا يتحكمون بأفعالهم، أو أُرغموا على ارتكاب الفظائع تحت التهديد بالقتل.
واعتبرت الوثيقة أن ليس من مصلحة العدالة مقاضاة شخص تثبت الأدلة أنه لم يكن يتحكم بأفعاله. ولا معنى لتحميل شخص مسؤولية جنائية عن أفعاله في مثل هذه الظروف. إذ يستطيع أولئك الذين تعرضوا للتهديد أن يحاججوا بأنهم تصرفوا تحت الإكراه، وذلك دفاعاً عن النفس، أو بهدف تخفيف العقوبة.
ومع أن هذا الأمر ينطبق على بعض الحالات، فإن ثمة حالات أخرى كان فيها الجندي الطفل متحكماً بأفعاله في شكل واضح، وغير مكره أو مخدر أو مرغم على ارتكاب الفظائع. فقد أصبح بعض الأطفال جنوداً بصورة طوعية، وارتكبوا فظائع بصورة طوعية كذلك.
منظمة العفو الدولية أقرت، في الوثيقة، بحاجة المجتمع والضحايا إلى تطبيق العدالة والمساءلة. ففي بعض الحالات، يجب أن يتحمل الجنود الأطفال المسؤولية عن أفعالهم، غير أن أي إجراءات جنائية تُتخذ في حقهم يجب أن تحترم المعايير الدولية للمحاكمات العادلة. إن المعايير الدولية مهمة للغاية بالنسبة الى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 81 سنة: فهذه المعايير تعطي الأولوية لمصالح الطفل الفضلى، وتقر بالحالات الخاصة للأطفال ومواطن ضعفهم، وتؤكد إعادة تأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع.
** التقرير العالمي السنوي عن تجنيد الأطفال: تقرير لبنان
Owner: Fatma Redapdf: http://www.daralhayat.com/special/features/07-2008/Article-20080719-3bba...