ثلث الأطفال السوريين في الأردن خارج المدارس

يواجه الأطفال السوريون اللاجئون حاليا في الأردن واقعا تعليميا بائسا، ومستقبلا غير مؤكد. نحو واحد من كل 3 سوريين مسجلين لدى "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون لاجئين" في الأردن – 226000 من 660000 – هم أطفالٌ في سن المدرسة، بين 5 و17 عاما. أكثر من ثلثهم تقريبا (أكثر من 80 ألف) لم يحصلوا على تعليم رسمي العام المنقضي.

هناك نحو 1.3 مليون سوري يقيمون في الأردن حاليا، وهو بلد يبلغ تعداد سكانه 6.6 مليون نسمة. أدى وصولهم، لا سيما الأطفال السوريين، منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، إلى اتخاذ وزارة التربية والتعليم الأردنية عدة خطوات لاستيعاب احتياجاتهم التعليمية. من هذه الخطوات توظيف معلمين جُدد، والسماح بالتحاق الأطفال السوريين بالمدارس الحكومية المجانية، وفتح فترات مسائية في نحو 100 مدرسة ابتدائية، لتهيئة المزيد من الفصول. في خريف 2016، خططت الوزارة لتهيئة 50 ألف مكان جديد في المدارس العامة لصالح الأطفال السوريين، مع استهداف 25 ألف طفل خارج المدرسة بـ "دروس تعويضية".

رغم قصور مساعدات المانحين عن المقدار الذي طلبه الأردن لاستضافة اللاجئين، فقد لعبت هذه المساعدات دورا مهما في توفير الفرص التعليمية، ومن المقدر أن تزيد: في فبراير/شباط 2016 تعهد المانحون بتقديم 700 مليون دولار سنويا للأردن على مدار السنوات الثلاث القادمة (رغم أن حسابات البنك الدولي تقدر تكلفة استضافة اللاجئين السوريين في الأردن بـ 2.5 مليار دولار سنويا)، مع تعهد كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة والنرويج بـ 81.5 مليون دولار في مايو/أيار، تُقدم خصيصاً لدعم إتاحة التعليم وتوفيره.

كان لهذه المبادرات وما شابهها الأثر الإيجابي؛ ففي الفترة بين 2012 و2016 زادت نسبة الأطفال السوريين اللاجئين الملتحقين بالتعليم الرسمي من 12 إلى 64 بالمائة. كما أن الخطة المدعومة من المانحين المُعلن عنها في فبراير/شباط من شأنها أن تحسّن كثيرا من إتاحة التعليم وتوفيره للأطفال السوريين اللاجئين، دون الإخلال بجودة التعليم المقدم للأطفال الأردنيين؛ الأمر الذي يعد من بواعث القلق الشائعة.

لكن ما زال عشرات الآلاف من الأطفال السوريين خارج قاعات الدرس، وهي المشكلة التي تزداد حدّة مع تقدمهم في العُمر، والانخفاض الكبير في معدلات الالتحاق بالمدارس.

يتناول هذا التقرير بعض الأسباب الرئيسية لعدم تمكن الأردن – رغم زيادة الجهود – من إلحاق المزيد من الأطفال السوريين بالمدارس والاحتفاظ بهم داخل النظام التعليمي. كما يسلط الضوء على قضايا يجب معالجتها إذا كان المنشود كفالة الحقوق الأساسية للأطفال السوريين في التعليم، مع وضع الأساس لتمكينهم من الإسهام بشكل حقيقي في إعادة إعمار سوريا في المستقبل.

***

جزء من المشكلة اقتصادي. ينفق الأردن أكثر من 12 بالمائة من إجمالي الناتج القومي على التعليم، أي أكثر من ضعف النسبة التي تنفقها دول مثل الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة. لكن نظام التعليم الحكومي، المُثقل بالأعباء حتى من قبل بدء النزاع السوري، يحتاج إلى المزيد من الدعم المالي.

كما يجب إلغاء السياسات القائمة التي تمنع التحاق الصبية والفتيات السوريين والسوريات بالمدارس. على سبيل المثال، فإنسياسات تسجيل اللاجئين التي تطالب الأطفال في سن المدارس باستصدار أوراق هوية أو "وثائق خدمة" من أجل الالتحاق بمدارس حكومية، ربما أعاقت الآلاف من الالتحاق بالتعليم. من الصعب جدا تحصيل هذه الوثائق بالنسبة لعشرات الآلاف من السوريين الذين خرجوا من مخيمات اللاجئين دون أن "يكفلهم" كفيل أولا، والكفيل قد يكون مواطن أردني أو قريب من الدرجة الأولى، وأكبر من 35 عاما، بعد يوليو/تموز 2014، وقت تطبيق سياسة جديدة تخص اللاجئين. كما أنه ومنذ فبراير/شباط أصبح الأردن يطالب جميع السوريين باستصدار وثائق خدمة جديدة، رغم أن المدارس سمحت للأطفال بالالتحاق بالوثائق القديمة. حتى أبريل/نيسان 2016 كان نحو 200 ألف سوري خارج مخيمات اللاجئين ما زالوا لم يستصدروا الوثائق الجديدة، وتقدر المنظمات الإنسانية أن عشرات الآلاف منهم ربما يكونوا غير مستحقين للتقديم على هذه الوثائق.

تهيئ عملية إصدار الشهادات ومتطلبات تسجيل الهوية لمعوقات تحول دون التحاق الأطفال الأكبر سنا بالمدارس. من المستحيل على العديد من العائلات التي فرت من القتال في سوريا دون جلب أصول أوراقها أن تستوفي طلبات فرضها بعض مدراء المدارس، بأن يجلب الأطفال شهادات المدارس السورية الرسمية التي تثبت إتمامهم للفصل الدراسي السابق. حوالي 40 بالمائة من الأطفال السوريين اللاجئين في الأردن يفتقرون لشهادات الميلاد، وهي مطلوبة لاستصدار وثائق الخدمة. عدم توفر شهادات الميلاد يفرض عائقا يمنع التحاق عدد متزايد من الأطفال الذين بلغوا سن المدرسة.

أنظمة وزارة التربية والتعليم التي تمنع التحاق جميع الأطفال بالمدارس، أردنيون وسوريون، ممن تزيد أعمارهم بثلاث سنوات عن متوسط أعمار أقرانهم في الفصل الدراسي تفرض عائقا إضافيا على الأطفال السوريين. بحسب تقديرات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين لسنة 2014 فإن "قاعدة الثلاث سنوات" منعت نحو 77 ألف طفل سوري من التعليم الرسمي. من شأن خطة اتفق عليها بين وزارة التربية والتعليم والمانحين الأجانب واليونيسف – وتبدأ في السنة الدراسية 2016-2017 – أن تساعد في زيادة معدل التحاق الأطفال المتسربين من التعليم بالمدارس، إذ ستسمح لما يبلغ 25 ألف طفل بالالتحاق ببرنامج "التعويض"، الذي يقدم منهجين دراسيين في عام واحد، وبعده يصبحون مستحقين للعودة إلى التعليم الرسمي. لكن لن يُفتح هذا البرنامج إلا للأطفال بين 8 و12 عاما. كما صدقت وزارة التربية على تقديم منظمة غير حكومية لبرنامج مماثل للأطفال الأردنيين والسوريين الأكبر سنا، والبرنامج جاري التوسع فيه بدعم من المانحين. لكن لم يصل البرنامج إلا لبضعة آلاف من الأطفال، ليخلّف العديد من الأطفال الأكبر سنا دون مسار يعيدهم إلى المدرسة. إضافة إلى توسيع مجال هذه البرامج، يمكن للأردن أن يساعد الأطفال الأكبر من 12 عاما المتسربين من التعليم على العودة للتعليم بالتنازل عن "قاعدة الثلاث سنوات" وتنظيم اختبارات لدخول المدرسة واختبارات لاختيار الفصل الدراسي، وهي الاختبارات التي تُقدم حاليا مرة في السنة.

الفقر والقيود على العمل يقيدان أكثر من إتاحة التعليم. في حين جعل الأردن المدارس العامة مجانية للسوريين، فإن الكثير من الأهالي السوريين لا يمكنهم تحمل التكاليف المرتبطة بالتعليم، مثل تكاليف المواصلات (لا توجد حافلات للمدارس العامة في الأردن). توصل تقييم للأمم المتحدة في عام 2015 إلى أن 97 بالمائة من الأطفال السوريين في سن المدارس معرضون لخطر عدم ارتياد المدارس بسبب المصاعب المالية التي يعاني منها الأهل. نحو 90 بالمائة من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر الأردني، بواقع 95 دولارا للشخص في الشهر. لم تكن أي من العائلات التي قابلتها هيومن رايتس ووتش تجني مثل هذا المبلغ.[1] أغلب السوريين يعانون من الاستدانة لأصحاب البيوت التي يقيمون فيها، وقد زادت الإيجارات 3 أضعاف أو أكثر في بعض المناطق، بحسب تقديرات منظمات غير حكومية. كما تضرر الأردنيون وأخلى بعضهم مساكن بعد أن طلبوا إيجارات أعلى.

تعاون مساعدات المانحين في مواجهة هذه الضغوط، لكنها غير كافية وغير مضمونة. نفدت تمويلات "برنامج الأغذية العالمي" الكافية لمواكبة الأزمة في أغسطس/آب 2015، وقطع البرنامج دعمه عن 229 ألفا من اللاجئين في المناطق المضيفة للاجئين (وخفض المساعدات للنصف، إلى 14 دولارا في الشهر لمن تبقى من تعداد اللاجئين خارج المخيمات). في الشهر التالي زادت "العودة الطوعية" للاجئين إلى سوريا إلى ما يناهز 340 شخصا في اليوم.

زاد أثر الفقر على الالتحاق بالمدارس وارتيادها، جراء السياسات الأردنية التي تمنع الكثير من اللاجئين السوريين على إعالة أنفسهم من خلال العمل. قلة من السوريين تمكنوا من استيفاء متطلبات تصاريح العمل القانونية، التي تشمل دفع رسوم بقيمة مئات الدولارات سنويا، والعثور على صاحب عمل يكفلهم. السوريون الذين يعملون دون تصريح يمكن أن يتعرضوا للتوقيف والإعادة إلى مخيمات اللاجئين. أوقفت السلطات الأردنية أكثر من 16 ألف سوري وأعادتهم إلى مخيم الأزرق بسبب عدم حيازة أوراق الإقامة وتصاريح العمل.

مع تزايد وطأة الديون، والافتقار للمساعدات الإنسانية الكافية، والتعرض لخطر التوقيف جراء العمل، فإن نحو 60 بالمائة من العائلات السورية في المناطق المضيفة للاجئين يعتمدون على النقود التي يكسبها أطفالهم، الذين يتسربون من التعليم للالتحاق بالعمل. القليل فقط من هؤلاء عادوا للتعليم. قالت عدة عائلات قابلناها أثناء إعداد هذا التقرير إن الدخل الذي يربحه الأطفال يُنفق على مواصلات المدارس الخاصة بإخوتهم وأخواتهم، أو على علاج الأقارب المرضى.

السياسات التي تحد من الحصول على تصاريح عمل قانونية تزيد أيضا من احتمال الاستغلال وتدني الأجور والعمل بوظائف خطرة، بما أن العامل السوري عرضة لخطر أكبر – إذا اشتكى – من صاحب العمل. وصف جميع الأطفال الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش العمل بصفته ينتهك قوانين العمل الدولية والأردنية، التي تحظر العمل لساعات طويلة، وفي ظروف خطرة، وللأطفال تحت سن 16 عاما.

كان حظر الأردن الفعلي لعمل اللاجئين السوريين بشكل قانوني ذا أثر سلبي على الأطفال السوريين فيما يخص إتمام تعليمهم الثانوي. قلة من السوريين يمكنهم تحمل كلفة معاهد التدريب المهني، في حين يفتقر آخرون للوثائق اللازمة للالتحاق بها، وقالت بعض منظمات المجتمع المدني إن السلطات الأردنية لم توافق على مشروعات تقدمت بها تخص التدريب المهني، ربما بسبب الخوف من تنافس السوريين على الوظائف مع الأردنيين. عرض المانحون تمويل برامج تعليم فني ومهني أكثر للسوريين، ويمولون بعض المنح الجامعية للطلاب السوريين، الذين يدفعون رسوما أكثر من الطلاب الأردنيين بصفتهم أجانب.

في أبريل/نيسان 2016 أوقف الأردن مؤقتا إنفاذ العقوبات على اللاجئين السوريين الذين يعملون دون تصاريح، وتنازلت الحكومة عن الرسوم اللازمة لاستصدار التصاريح خلال مهلة مدتها 3 شهور، قامت بعد ذلك بتمديدها. صدر نحو 20 ألف تصريح عمل حتى أغسطس/آب. لكن كان العديد من 100 ألف عامل سوري، بحسب التقديرات، غير مستحقين للتصاريح، إذ لم تكن لديهم وثائق خدمة، ولم يكفلهم صاحب عمل أردني.

في فبراير/شباط 2016 تعهد الأردن بإصدار ما يصل إلى 50 ألف تصريح عمل للسوريين في قطاعات لا تنافس فيها مع الأردنيين، وقالت الحكومة إنها ستفتح – بحسب دعم المانحين في المستقبل – "مناطق تنمية خاصة" يمكن لما يصل إلى 150 ألف سوري أن يُستخدموا فيها لتصنيع منتجات مخصصة للتصدير، بالأساس للأسواق الأوروبية. قررت المفوضية الأوروبية في يوليو/تموز إلغاء الجمارك على هذه المنتجات. سبق أن تفاوضت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على 4000 تصريح عمل لسوريين للعمل بإنتاج المنسوجات.

أدت متطلبات التسجيل والسياسات الأردنية التي تقيد من القدرة على العمل وتلقي الرعاية الصحية والتعليم إلى الضغط على اللاجئين السوريين ليمكثوا في مخيمات اللاجئين حيث الحياة قاسية – رغم مساعدات المانحين – وعلى من هم خارجها للعودة إليها من المناطق المضيفة للاجئين.

في 2015 التحقت نسبة أقل من الأطفال السوريين بالمدارس في هذه المخيمات، مقارنة بالمناطق المضيفة للاجئين. توصلت استطلاعات وبحوث هيئات الأمم المتحدة إلى أن معوقات التعليم تشمل المسافات الطويلة التي تفصل الأطفال عن المدارس في المخيمات الكبرى، وإحساس بعض الأطفال "بلا جدوى التعليم إذ أن أملهم في فرص المستقبل جد محدود"[2] تم فتح مدارس أكثر في مخيم الزعتري، وهو أكبر المخيمات، في عام 2015، وكانت به 9 مدارس رسمية، لكن وقت زيارة هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول، كانت بعض المدارس تفتقر للكهرباء والماء والنوافذ.

كما أن إتاحة الأردن بسخاء للمدارس العامة مجانا للأطفال السوريين قد زاد من الأعباء على المدارس الابتدائية في المناطق التي يتركز بها لاجئون. هذا بدوره يفرض تحديات على ضمان جودة التعليم، وقد كرس لتوترات بين السكان في بعض البلدات التي يتصور سكانها الأردنيون أن اللاجئين السوريين يزيدون من عدد الطلاب في الفصل، ويضغطون على موارد المدارس. بعض الأردنيين الذين ألحقوا أطفالهم بمدارس خاصة ولم يتمكنوا من الاستمرار في تحمل كلفة مصاريفها، وجدوا المدارس القريبة من بيوتهم – بحسب تقارير – ممتلئة ولا مكان للأطفال فيها بسبب زيادة التحاق السوريين بها. حتى قبل النزاع السوري كانت موارد المدارس الأردنية ترزح تحت ضغوط، ما دفع عشرات المدارس لتقديم فصول في الصباح وأخرى في "فترة" مسائية، لزيادة الاستيعاب وإتاحة أماكن أكثر. وصول أعداد كبيرة من الأطفال السوريين اللاجئين أجبر وزارة التربية الأردنية على افتتاح فترات مسائية للطلاب السوريين في 98 مدرسة ابتدائية. تخطط الوزارة، لإلحاق مزيد من الأطفال السوريين في العام الدراسي 2016 – 2017، لافتتاح فترات ثانية في 102 مدرسة إضافية.

تلقى الطلاب الأردنيون والسوريون في المدارس التي تدير فترتين ساعات تعليم أقل من الأطفال في المدارس التي تعمل لفترة واحدة فقط. تم إغلاق مرافق بالمدارس مثل المكتبات أثناء فترات المساء، وهي الفترات التي لا يرتادها إلا الطلاب السوريون. كما يحصل التلاميذ في مدارس مخيمات اللاجئين على ساعات تعليم أقل من أقرانهم في المدارس التي بها فترة واحدة. في مدرسة كبيرة في الزعتري، تبلغ مدة الحصة الواحدة 35 دقيقة، دون راحة بين الحصص، ودون فسحة أو وقت لتناول الطعام، مع عدم توفير قاعات حاسوب. قال بعض المعلمين في مدارس بمخيمات اللاجئين إنهم لم يحصلوا على أي تدريب على التدريس، ولم يكن عليهم إلا إثبات تخرجهم في الجامعة. بشكل عام، يتلقى معلمو المدارس العامة تدريبا على التدريس، لكن لم يثبت تدريب الكثيرين على نحو ملائم.

قال معلمون في مناطق مضيفة للاجئين وفي مخيمات للاجئين إنهم وجدوا صعوبة في تدريس بعض الأطفال السوريين الذين ظهرت عليهم أمارات الإصابة بالصدمة. هناك عدد متزايد من الأطفال السوريين يحصلون على دعم نفسي، لكن هناك آخرين يحتاجون للمساعدة ويتسربون من التعليم. قالت أم صبي إن شخصيته تغيرت أثناء النزاع بعد مقتل ابن عم له في هجوم، وقد عاد ابنها برأسه، وأنه لم يعد يرغب في ارتياد المدرسة في الأردن. اشتكت عائلات لاجئة ومعلمون أردنيون من افتقار المعلمين للحماس وازدحام الفصول بما يصل إلى 50 طفلا، لا سيما في مخيم الزعتري.

هذه الظروف الصعبة أسهمت على ما يبدو في مفاقمة مشكلة العقاب البدني الموجودة أساسا – وهي محظورة رسميا – وفي العنف بالمدارس الأردنية. وصف أطفال سوريون كيف يضربهم المعلمون بالعصي والكتب والخراطيم المطاطية. وفي حالات أخرى، واجه الأطفال مضايقات مؤلمة من أطفال أردنيين بالمدرسة أو أثناء السير من البيت للمدرسة. أفادت اليونيسف أن 1600 طالب سوري تسربوا من التعليم في عام 2016 بسبب تعنيف الأقران. هناك صبي هُدد بالطعن إذا لم يتخلى عن النقود التي في جيبه، وقد تعرض آخرون للضرب بأسلاك كهربائية. قام أب وأم فتاة لديها مشاكل في الدورة الدموية بسحبها من المدرسة بسبب تعرضها للضرب من أطفال آخرين.

***

يعتبر المعلمون السوريون الذين فروا إلى الأردن موردا لم يستخدم إلى الآن. يمكنهم أن يخفضوا نسبة الطالب إلى المعلم وأن يساعدوا الطلاب السوريين على التكيف مع التجربة الصادمة المشتركة بينهم. سمح الأردن لنحو 200 لاجئ سوري بالعمل كـ "مساعد" في الفصول المزدحمة بالمدارس في مخيمات اللاجئين، لكن ليس في المناطق المضيفة للاجئين. ممنوع على غير المواطنين التدريس في المدارس العامة، أو التسجيل في نقابة المعلمين. تركيا على النقيض تسمح لآلاف المعلمين السوريين بالعمل في مراكز تعليمية معتمدة بالكامل، وهي تدرس نسخة معدلة من المقرر المدرسي السوري، إضافة إلى السماح للأطفال السوريين بالانتظام في مدارس تركية عامة نظامية.

بدعم من المانحين، تعهد الأردن بفتح 102 مدرسة إضافية بفترات تدريس مزدوجة لاستضافة 50 ألف طالب سوري إضافي في العام المدرسي 2016 – 2017. كما تعهد بفتح جميع منشآت ومرافق المدارس، مثل المكتبات، لطلاب الفترة المسائية، وبتحسين تدريب المعلمين، وبالسماح لما يصل إلى 1000 سوري – بتمويل من المانحين – بشغل مناصب مساعدين في المدارس بالمناطق المضيفة للاجئين. سوف يسمح دعم المانحين الإضافي للأردن بأن يزيد كثيرا من الوقت المخصص للأطفال في الفترة الصباحية، إلى 30 ساعة أسبوعيا، لكن سيبقى وقت الأطفال الأسبوعي في فترة المساء بمعدله الحالي، حوالي 20 ساعة أسبوعيا.

وعد المانحون – ومنهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا والمملكة المتحدة وكندا – بزيادة كبيرة في دعم الأردن فيما يخص بناء مدارس حكومية جديدة، وتوسعة وتحسين المدارس القائمة، بما يشمل جعلها مُتاحة للأطفال المصابين بإعاقات، والمساعدة في دعم تكاليف مواصلات المدارس. يجب على المانحين على الفور وبشكل شفاف تنفيذ هذه التعهدات التي يُفترض أن تُنفذ على مدار سنوات، مع العمل أيضا على ضمان حصول الأطفال السوريين في الفترات المسائية على ساعات تدريس تساوي ما يحصل عليه الأطفال الآخرون في المدارس العامة. يجب على الأردن السماح برصد منتظم ومستقل لجودة التعليم في الفصول، والسماح للمعلمين السوريين اللاجئين المؤهلين بلعب دور أكبر في تعليم الأطفال السوريين. وبالاستعانة بالدعم الدولي، يجب مراجعة السياسات التي تهدد وتقوض هذه الخطوات المهمة والإيجابية، عن طريق ضمان عدم منع الأطفال السوريين من ارتياد المدارس بسبب مصاعب في التسجيل لدى وزارة الداخلية.

يعد التدريب الأفضل للمعلمين وإخضاعهم للمحاسبة مسألة لا غنى عنها لإنفاذ الحظر على العقاب البدني وللتعامل مع مضايقات الأقران. على المانحين المعنيين بحقوق اللاجئين في التعليم والعمل ومنع عمل الأطفال تشجيع ودعم مشروعات التنمية التي تدعم قدرة السوريين على إعالة أنفسهم. على الأردن أيضا النظر في أمر مراجعة أنظمة تصريح العمل بحيث يتم تقليص الاعتماد على الكفيل، وأن يصبح التنازل عن رسوم تصريح العمل، الذي يُسمح به أثناء المهلة، تنازلا دائما.

***

كان معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية في سوريا – قبل النزاع – 93 بالمائة.[3] قدرت اليونيسف أن نحو 3 ملايين طفل سوري داخل سوريا وخارجها أصبحوا خارج التعليم، ما يعني تقويض إنجاز سوريا بتوفير التعليم للجميع تقريبا قبل الحرب.[4]

قدرت اليونيسف "الخسارة الاقتصادية الإجمالية" من إجمالي الأجور الأدنى مدى الحياة، بالنسبة إلى 1.9 مليون طفل سوري داخل سوريا، الذين تسربوا من التعليم الابتدائي والثانوي في 2011 بسبب النزاع، بـ 10.7 مليار دولار.[5] لا تشمل هذه الإحصاءات كلفة التعليم المفقود بالنسبة للأطفال اللاجئين. سواء عادوا إلى سوريا أو استقر بهم المقام في مكان آخر لفترة طويلة، فإن أجور الأطفال الأدنى يمكن أن تكون ذات أثر معطّل على اقتصاد الدول المضيفة، في حين ستزيد أيضا من تكلفة المساعدات من المانحين والمساعدات الحكومية.[6]

سوف يقلص توفير التعليم من مخاطر الزواج المبكر والتجنيد العسكري للأطفال، وسوف يدفع باتجاه استقرار المستقبل الاقتصادي إذ يزيد من إمكانات واحتمالات تحقيق الكسب المالي، مع ضمان تجهيز أطفال سوريا اليوم بشكل أفضل لمواجهة مستقبلهم غير الواضح.[7]

منهجية التقرير

يستند هذا التقرير بالأساس إلى بحوث أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2015 بمناطق مضيفة للاجئين في عمان والبقعة والزرقاء والمفرق والسلط وإربد وقرى قريبة، وفي مخيمي الزعتري والأزرق، والمخيم "الإماراتي الأردني" في الأردن. إجمالا، أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 105 لاجئين وطالبي لجوء من سوريا، بينهم سكان فلسطينيين سابقين في سوريا، من 82 عائلة. تم تحديد العائلات التي أجريت معها مقابلات بمساعدة منظمات غير حكومية محلية ودولية ومعارف داخل تجمعات اللاجئين السوريين في كل مدينة من المدن.

لم يكن جميع أفراد الأسر حاضرين في كل مقابلة من المقابلات. حصلت هيومن رايتس ووتش على معلومات عن ظروف 423 فردا من عائلات سورية – بينهم أفراد الأسر غير الحاضرين في المقابلات – بالإضافة إلى 16 فردا من أسر أجريت معهم مقابلات قالوا إنه سبق لهم مغادرة الأردن في محاولة لبلوغ أوروبا. من بين إجمالي عدد أفراد العائلات، جمعنا معلومات عن الوضع التعليمي لـ 286 طفلا تحت 18 عاما، بينهم 213 طفلا في سن المدارس (6 إلى 17 عاما). من بين هؤلاء الأطفال السوريين في سن التعليم، لم يكن 75 طفلا في مدرسة في الأردن، ومنهم 18 طفلا التحقوا بمدارس لكن تسربوا منها، و25 طفلا كانوا يعملون، و13 طفلا مصابين بإعاقات، بحسب أقوالهم وأقوال الآباء.

أجريت أغلب المقابلات مع اللاجئين وطالبي اللجوء باللغة العربية بمساعدة مترجم فوري. قُدم لجميع من أجريت معهم مقابلات توضيحا بطبيعة البحث ونوايانا فيما يخص المعلومات الجاري جمعها، وحصلنا على موافقات شفهية من كل منهم. قيل لهم جميعا إن بإمكانهم رفض الإجابة على أية أسئلة أو إنهاء المقابلة في أي وقت. لم يحصل المشاركون على أي تعويض مادي. حجبت هيومن رايتس ووتش هوية أفراد ومؤسسات طلبوا عدم كشف أسمائهم. كما استخدمنا أسماء مستعارة كلما طلب منا ذلك، وذكرنا هذه الحالات في الحواشي. الأسماء المستعارة المستخدمة لا تعكس ديانات وطوائف من قابلناهم.

أجريت المقابلات في المناطق المضيفة للاجئين في بيوت لعائلات سورية، وفي أغلب الحالات تحدثنا إلى الأب والأم بالإضافة إلى الأطفال. كانت هيومن رايتس ووتش حريصة على إجراء جميع المقابلات في أماكن آمنة وخاصة. أثناء المقابلات بمخيمي الأزرق والزعتري، وهما يتطلبان موافقة مسبقة من السلطات الأردنية، رافق باحث هيومن رايتس ووتش رجل شرطة (في الزعتري) ومسؤولي أمن أردنيين (في الأزرق). في المخيم "الإماراتي الأردني"، رافق الباحث عناصر من الهلال الأحمر الإماراتي، وهي الجمعية التي تدير المخيم. بسبب بواعث قلق تخص الظروف القائمة، اقتصرت أسئلة الباحث للاجئين في هذه المخيمات على المعلومات الأساسية الخاصة بأعمار أطفالهم وتعليمهم المدرسي.

لم نُجر مسحا شاملا أو دراسة إحصائية، إنما تستند نتائجنا إلى المقابلات الموسعة التي يكملها تحليلنا لطيف واسع من المواد المنشورة. كما طلبت هيومن رايتس ووتش معلومات من وزارة التربية والتعليم الأردنية وسعت للاطلاع على آراء الوزارة في جملة أمور. إضافة إلى هذا، قابلنا ممثلين عن اليونيسف ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين، ومنظمات غير حكومية دولية ومحلية، وسفارات دول مانحة وهيئات مساعدات إنسانية، و9 مدراء ومعلمين بمدارس أردنية عامة وخاصة، وأشخاص يوفرون الخدمات التعليمية بصفة غير رسمية. كما استشرنا خبراء في التعليم في أوقات الطوارئ وفي سياسة التعليم الأردنية.

Please note that these reports are hosted by CRIN as a resource for Child Rights campaigners, researchers and other interested parties. Unless otherwise stated, they are not the work of CRIN and their inclusion in our database does not necessarily signify endorsement or agreement with their content by CRIN.