أضافه crinadmin في
مكافحة عمالة الأطفال في المغرب: دائما يعودون إلى العمل [الرباط، 11 ديسمبر 2008] تستطيع بعفوية أن تحكي كل شيء عن حياتها، إلا عن أنها تقضي معظم يومها في مصنع. سرّ المراهقة الصغيرة ذات الأربعة عشر ربيعاً، أنها مُنعت من العمل في مصنع خياطة بأمر من المفتش. ثم عادت تعمل في مصنع آخر بعد بضعة أشهر. اسمها فاطمة، وهي كغيرها من أطفال ومراهقين، أتيحت لها الفرصة لاستعادة طفولتها المسلوبة، عبر قانون منع تشغيل الأطفال أو غيره، ولكنها (أي الفرصة) لم تكن كافية لتبقيها طفلة. فعادت إلى العمل. وحالها مثل حال نصف مليون طفل ومراهق مغربي، دون سن الخامسة عشرة، بحسب آخر التقديرات الرسمية والمدنية (وعددهم يتقلّب). ويعمل هؤلاء في معظم مجالات عمل الكبار، تاركين مقاعد الدراسة وفضاءات اللعب ودفء الأسرة. ربما كان أخف وطأة، لا أقل ضرراً بالتأكيد، ألا يزيد الأطفال والمراهقون العاملون هاجس المنع على همومهم وشقائهم، حين لا يملكون بديلاً عنه، ولا يتحكم بمصائرهم سوى الفقر. ومع ذلك، لا تنفك فاطمة تطارد هذا الهاجس يومياً، طيلة 10 ساعات من العمل، في جمع «أشلاء» القماش ونُسالاته المتساقطة من آلات الخياطة، وترتيبها. ولذا، تتستر «الخياطة» الصغيرة على عملها، خشية أن يتسرب الخبر إلى الغرباء، فيتسببون في فصلها ثانية. «حتى رب العمل الجديد لم يدرِ بهذا الموضوع، كي لا نثير مخاوفه من مفتشي قانون الشغل فيرفض تشغيلها»، كما تبرر أم فاطمة، بحرج وانكسار، سر ابنتها الكبير، وتكشف حاجة الأسرة المكونة من 5 أفراد، إلى الأجر الهزيل، ليتحايلوا به على فقرهم المدقع، بعدما اختطف المرض حياة الأب، وكان بائعاً متجولاً. آلاف الأسر المغربية تتوقف معيشتها أو جزء منها، على عمل أبنائها في سن مبكرة. وهذه اليد العاملة الصغيرة تصل إلى 640 ألف طفل، ما بين 7 و14 سنة، وتُعتبر من بين الأعداد الأكبر في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والأقل من حيث معدل الالتحاق بالمدارس، تبعاً لدراسة أنجزتها، في 2004، «منظمة العمل الدولية» و«يونيسف» و«البنك الدولي»، بعنوان «فهم عمالة الأطفال بالمغرب». وفي هذه «السوق السوداء»، يتعرض الأطفال لشتى أنواع الأخطار الجسدية والصحية والنفسية، ولسوء المعاملة. ويُحرمون من التعليم، إذ يفقد ما يزيد عن 218 ألف طفل مقعده في المرحلة الابتدائية، وفق آخر تصريح لوزير التربية والتعليم، وجلهم مرشح لولوج سوق العمل، والبقاء فيها حتى سن الرشد، برأي خالد هواش، وهو عضو جمعية تهتم بتعليم الأطفال الأميين في الرباط. بيد أن اشتغال فاطمة قد يطول قبل أن تتعرض للفصل مجدداً بموجب القانون الذي يمنع عمل الأطفال في أعمار تقل عن 15 سنة، أو لعلها لن تفصل يوماً، نظراً إلى «غياب الصرامة لدى مفتشي الشغل، والتواطؤ مع أرباب العمل، وحتى بسبب المراعاة الإنسانية للأوضاع الاجتماعية الصعبة للأطفال العاملين»، كما تؤكد رقية المحامية الخبيرة في قضايا قانون العمل والناشطة في مجال حقوق الطفل. القوانين وحدها لا تكفي لحماية الطفل، «نخرج الطفل من ورش العمل ونلقي به في الشارع، حيث الأخطار الجسيمة. "وهذا ليس بحل"، تضيف المحامية. وخلال السنوات الأخيرة، تزايد الوعي الحكومي والمجتمعي بضرورة تطويق عوامل الهشاشة الاجتماعية، ومكافحة أسباب الفقر الذي يكون الأطفال أول ضحاياه. ويعلق المغرب آمالاً كبيرة على «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» الموجهة لتأهيل إطار حياة الفئات الفقيرة من المجتمع وإيجاد فرص عمل، وبرامج حكومية وغير حكومية تسعى للتوعية وإيجاد حلول بديلة عن اعتماد الأسر على عمل أبنائها، مثل برنامج «تيسير» الذي يخصص مبلغاً شهرياً للأسرة، وبرنامج «أدرس» لمكافحة الهدر (التسرّب) المدرسي والتشغيل، وبرنامج «إنقاذ» لمساعدة خادمات البيوت الصغيرات. ويجري العمل على «الخطة الوطنية للطفولة 2006 - 2015»، التي تشمل شقاً متعلقاً بمكافحة عمالة الأطفال. فقد تمكّنت وزارة التشغيل (العمل) والتكوين المهني من إنقاذ 9367 طفلاً من سوق العمالة، خلال 2007، وتفادي ولوج 19 ألف آخرين إليها، بينما استفادت 600 أسرة من النشاطات المدرة للدخل، بالتعاون مع «البرنامج الدولي للحد من عمالة الأطفال». لكن الوزارة لم تعلن وضع آليات لرصد ما إذا كان هؤلاء الأطفال المنتشَلين من سوق العمل، قد انقطعت حظوظ عملهم في المستقبل، أو أن بعضهم اضطر للعودة إلى العمل خلال العام الحالي. وترى خديجة فلاق التي تُعِد بحثاً سوسيولوجياً عن ظاهرة تشغيل الأطفال لنيل الماجستير، أن إغفال آلية تتبع من هذا النوع، «سواء بالنسبة لمثل هذه المبادرات التنموية، أو عندما يطبق قانون العمل، سبب في عدم حصر ملامح ظاهرة عمالة الأطفال، ونوعاً من إهدار للجهود الكبيرة التي تُبذل لانتشالهم». وعلى رغم أن فاطمة لم يتح لأسرتها فرصة الاستفادة من دعم جمعيات أو حكومة، فإن الأم تقول إن المبالغ التي تعطى «هزيلة جداً»، ولا تُغني عن الاعتماد على دخل إضافي يضمنه عمل الطفل، في حين ركزت فاطمة نظراتها الشاحبة على الطاولة الفارغة إلا من كؤوس شاي وخبز جاف، وفتحت فمها للمرة الأولى والأخيرة... فقط لتنقل هاجسها الوحيد في دعاء صادم: « الله يعمي مفتش الشغل» (ربي أصبه بالعمى كي لا يكتشفني ويفصلني من العمل). موضوعات ذات صلة: ** المغرب: الاستغلال الجنسي للأطفال وسياسة التجاهل (4 ديسمبر 2008) ** المغرب: المسيرة البيضاء ضد الاستغلال الجنسي للطفل في السياحة (4 يوليو 2009)