أضافه crinadmin في
سوريا: القانون وجرائم الأحداث خاص بمجلة ثري.. (أول مجلة أسبوعية تهتم بحقوق المرأة والطفل في سوريا) وقد نصت المادة 209 من قانون العقوبات السورية على ما يلي: "لا يحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد أقدم على الفعل عن وعي وإرادة" وعلى هذا فالحدث هو كل ذكر أو أنثى لم يبلغ بعد سن تحمل المسؤولية الجزائية، أي لم يصل بعد إلى سن الرشد الجزائي الذي يعدّ بداية مرحلة المسؤولية الجزائية الكاملة. وقد سار قانون الأحداث السوري على هذا النهج عندما عرف الحدث بأنه: «كل ذكر أو أنثى لم يتم الثامنة عشرة من عمره». وفي ضوء ما تقدم يمكن استخلاص التعريف القانوني للحدث على الوجه التالي: «الحدث هو الصغير في المدة منذ ولادته حتى بلوغه السن التي حددها القانون للرشد، وهي في تشريع الأحداث السوري ثماني عشرة سنة». كما إن التشريعات في مختلف الدول تفرق بين طورين أساسيين من أطوار الحداثة، طور عدم التمييز وطور التمييز، وتخصص لكل منهما أحكاماً خاصة، وقد كانت التشريعات القديمة تعترف بالبلوغ الجسدي الطبيعي حداً بين الطورين المذكورين. أما التشريعات الجزائية الحديثة فلا تقرن التمييز بالبلوغ الجسدي، بل تهبط بسن التمييز إلى ما دون ذلك، ولكنها لا تتفق جميعها على سن واحدة. وقد حددت غالبية التشريعات، ومنها تشريعات الدول العربية، سن العاشرة فيصلاً مجرداً بين طور عدم التمييز والتمييز، ويطلق على الطور الأول اصطلاحاً «مرحلة الطفولة» أو «مرحلة عدم التمييز» إذ يكون فيها الحدث غير مميّز قانوناً، وعلى الطور الثاني «مرحلة التمييز». وفي سورية، أجمعت التشريعات المتعاقبة على تحديد بدء سن التمييز، التي تنتهي بها مرحلة الطفولة، بتمام العاشرة من العمر. وذلك قبل أن يصدر المرسوم التشريعي رقم /52/ تاريخ 1/9/2003 الذي رفع سن المسؤولية الجزائية إلى سن العاشرة، والأحداث الذين أتموا سن العاشرة ولم يتجاوزوا سن الثامنة عشرة فلا تفرض عليهم سوى التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في قانون الأحداث. ويكون الحدث في مرحلة الطفولة عديم التمييز من وجهة نظر القانون، وهو أيضاً عديم الأهلية، فلا يتحمل التبعة الجزائية للفعل الجرمي، وتنعدم مسؤوليته الجزائية، ولا يصح أن تتخذ الإجراءات القانونية في مواجهته، ولا أن توقع عليه عقوبة عن فعل تتوافر فيه أركان الجريمة. ولهذا نصّ قانون الأحداث الجانحين في سورية: أنه لا يلاحق جزائياً الحدث الذي لم يتم العاشرة من عمره حين ارتكابه الجريمة. وانعدام التمييز لدى الحدث في هذه المرحلة لا يقتصر أثره على عدم إنزال عقوبة به، بل إنه يجاوز ذلك إلى عدم جواز اتخاذ تدابير إصلاحية بحقه، وعدم جواز رفع الدعوى العامة عليه. أي أن هذا يبعده عن يد القانون الجزائي. ويتضح من كل ما تقدم أن الحدث الذي يسري عليه قانون الأحداث الجانحين، ويجوز أن تقام عليه الدعوى العامة ويواجه بتدبير إصلاحي، إنما هو الحدث الذي يرتكب جريمة في وقت يكون فيه قد أتم العاشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره. ويلاحظ من ذلك أن ثمة شرطين يجب توافرهما حتى يعد الحدث جانحاً: أن يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون، وأن يكون قد أتم العاشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره حين ارتكاب الجريمة. وبالنسبة للتدابير المقررة للأحداث الجانحين: إذا ارتكب الحدث الذي أتم العاشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره جريمة ما فيمكن أن تفرض عليه محكمة الأحداث واحداً أو أكثر من بين عدد من التدابير وفقا للمادة الرابعة وهي : التسليم إلى الوالدين أو لأحدهما أو للولي الشرعي: بشرط أن تتوافر فيمن يسلم إليه الحدث الضمانات الأخلاقية، وأن يكون في إمكانه القيام بتربية الحدث بحسب إرشادات المحكمة أو مراقب السلوك. التسليم إلى أحد أفراد الأسرة: ويكون التسليم إلى أحد أفراد الأسرة غير الوالدين إذا لم تتوافر في والدي الحدث، أو في وليه الشرعي، الشروط المنوه بها في الفقرة السابقة. تسليم الحدث إلى غير ذويه: إذا لم يكن بين ذوي الحدث من هو أهل لتربيته أمكن وضعه لدى مؤسسة أو جمعية صالحة لتربية الحدث، وعلى مراقب السلوك أن يراقب تربية الحدث وأن يقدم له وللقائمين على تربيته الإرشادات اللازمة. تدبير الوضع في مركز للملاحظة: تقرر هذا التدبير تطبيقاً لمبدأ تحقيق شخصية الحدث والوقوف على حالته النفسية والاجتماعية، هذا المبدأ الذي يعدّ بمنزلة العمود الفقري في محاكمة الحدث، لأن اهتمام قاضي الأحداث ينصرف بالدرجة الأولى إلى دراسة شخصية الحدث قبل توجيه اهتمامه إلى دراسة الفعل المرتكب من الناحية المادية. وانطلاقاً من هذا المبدأ يجوز لقاضي الأحداث أن يقرر في أثناء النظر بالقضية، وقبل إصدار حكمه النهائي، وضع الحدث مؤقتاً في مركز الملاحظة مدة لا تتجاوز ستة أشهر إذا رأى أن حالته الجسمية أو النفسية تستلزم دراسة وملاحظة واسعتين بغية تقرير التدبير الملائم. ويجب على القاضي في هذه الحال تأجيل البت في القضية إلى ما بعد انتهاء مدة الملاحظة والدراسة. ويتصف هذا التدبير بأنه عام يجوز فرضه حتى على الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة من عمرهم في الجنايات. تدبير الوضع في معهد إصلاحي: وهو تدبير إصلاحي مقرر للأحداث الذين أتموا العاشرة ولم يتموا الخامسة عشرة في جميع الجرائم، وللأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة في المخالفات والجنح فحسب. ويحكم الحدث بوضعه في معهد إصلاح الأحداث مدة لا تقل عن ستة أشهر إذا تبين للمحكمة أن حالته تستدعي ذلك. وعلى مدير المعهد الإصلاحي أن يقدم تقريراً للمحكمة بعد انقضاء ستة أشهر على وضع الحدث في المعهد يبين فيه حالة الحدث، وله أن يقترح في التقرير إعفاءه من باقي المدة أو فرض أي تدبير إصلاحي آخر يراه ضرورياً، وعليه أن يقدم تقارير دورية إلى المحكمة في كل ثلاثة أشهر حتى يتم إخلاء سبيل الحدث. وتنتهي مدة تدبير وضع الحدث في معهد إصلاحي حتماً بإتمام الحدث السنة الحادية والعشرين من عمره. تدبير الحجز في مأوى احترازي: يلجأ القاضي إلى وضع الحدث في مصحّ ملائم إذا تبين له أن جنوحه ناشئ عن مرض عقلي، ويستمر هذا الحجز حتى يتم شفاء الحدث. تدبير الحرية المراقبة: الحرية المراقبة تدبير يهدف إلى مراقبة سلوك الحدث الجانح والعمل على إصلاحه بإسداء النصح له ومساعدته على تجنب السلوك السيئ وتسهيل امتزاجه بالمجتمع، ويقوم بهذه المراقبة موظف تكلفه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أطلق عليه القانون اسم «مراقب السلوك». ويجوز فرض هذا التدبير على الأحداث في جميع الجرائم. ويجوز فرضه حتى على الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة عند ارتكابهم جناية وذلك كتدبير تكميلي إضافة إلى العقوبات المخففة المقررة لهم في هذه الحالة. ويجوز للمحكمة أن تمنع الحدث المفروض عليه تدبير الحرية المراقبة من ارتياد كل محل أو مكان ترى فيه خطراً على سلوكه، ولها أن تفرض عليه الحضور في أوقات معينة أمام أشخاص أو هيئات تعينهم، وأن تأمره بالدوام على بعض الاجتماعات التوجيهية المفيدة، أو أي أمر آخر تراه ضرورياً لإصلاحه.ومدة الحرية المراقبة من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. ولا يحول إتمام الحدث الثامنة عشرة من عمره من دون الاستمرار في تنفيذ هذا التدبير إذا لم تكن المدة التي حددتها المحكمة قد انتهت ببلوغه سن الرشد وعلى مراقب السلوك أن يرفع إلى محكمة الأحداث تقريراً دورياً كل شهر عن حالة الحدث الموضوع تحت رقابته وعن سلوكه وتأثير المراقبة فيه. وعليه أن يرفع للمحكمة تقريراً عن كل حالة تدل على سوء سلوك الحدث أو يرى من المفيد إطلاع المحكمة عليها. تدبير منع الإقامة: للمحكمة أن تمنع إقامة الحدث في أماكن معينة، كالمنطقة التي وقعت فيها الجريمة أو مكان سكن المجني عليه، على أن يكون الحدث قد تجاوز عند الحكم عليه بهذا التدبير الخامسة عشرة من عمره. تدبير منع ارتياد المحلات المفسدة: يمنع الحدث الجانح من ارتياد الخمارات والمقامر والمحلات المفسدة عموماً وكل مكان آخر ترى المحكمة أن المنع من ارتياده مفيد له. تدبير المنع من مزاولة عمل ما: إذا تبين لمحكمة الأحداث أن سبب جنوح الحدث هو مزاولته لمهنة معينة، أو أن مزاولته لتلك المهنة قد تسبب جنوحه مرة أخرى، جاز لها أن تمنعه من ذلك. تدبير الرعاية: وهو تدبير إصلاحي يوفر للذي فرض عليه التعليم والتدريب المهني والعمل المناسب وتلقي النصح والإرشاد ليباشر حياته أو يكسب عيشه بطريقة شريفة. ويتخذ هذا التدبير مع جميع الأحداث في جميع الجرائم ويعد تدبيراً تكميلياً إضافة إلى العقوبة إذا كان الحدث قد ارتكب جناية وأتم الخامسة عشرة من عمره. ويفرض تدبير الرعاية على كل حدث وجد متشرداً أو متسولاً لا معيل له ولا يملك مورداً للعيش، أو كان يعمل في أماكن أو يمارس أعمالاً منافية للأخلاق والآداب العامة. ويعهد بالرعاية إلى معاهد إصلاحية معترف بها من الدولة. وعلى المعهد تقديم تقرير إلى محكمة الأحداث عن حالة المحكوم عليه بتدبير الرعاية كل ثلاثة أشهر. وإذا تعذر وضع الحدث الذي فرض عليه تدبير الرعاية في إحدى مؤسسات الرعاية جاز لمحكمة الأحداث أن توفر له عملاً في إحدى المهن الصناعية أو التجارية أو الزراعية حيث يتولى رقابته مراقب السلوك. طبيعة التدابير الإصلاحية: لم تعد التشريعات الحديثة الخاصة بالأحداث الجانحين قائمة على تحديد المسؤولية الجزائية للحدث وفرض العقاب عليه، وإنما أصبحت تقوم على أساس تعويض الحدث عمّا فقده من رعاية صالحة، وعلى إصلاح ما أفسده التوجيه الخاطئ الذي تعرض الحدث له والذي أدى به إلى الإجرام. وتطبيقاً لذلك فإن المشرّع السوري أفرد قانوناً خاصاً بمرحلة الحداثة وأحاطها بمعاملة خاصة في ضوء سياسة اجتماعية تهدف إلى توفير الرعاية والحماية للجيل الناشئ. وقد كان واضع قانون الأحداث الجانحين سنة 3591 صريحاً حين قال في الأسباب الموجبة: إن القصد من هذه التدابير هو إصلاح الحدث فعلاً لا التضييق عليه كما هو الأمر في العقوبات التي تفرض على غير الأحداث. سرية المحاكمة: القاعدة عند محاكمة الراشدين هي وجوب إجراء المحاكمة بصورة علنية وإلا تعد باطلة ما لم تقرر المحكمة إجراءها سراً بداعي المحافظة على النظام العام أو الأخلاق العامة، والعلة في تقرير العلانية عدها المشرع من الضمانات المقررة لحسن سير العدالة الجزائية ولحرية المتهم في الدفاع عن نفسه، ولكن ضمانة علانية المحاكمة هذه قد تنقلب وبالاً على الحدث وعلى ذويه، فقد تسيء إلى الحدث وتعرض مستقبله للخطر لأن القانون يوجب اللجوء إلى فحص شخصيته جسدياً ونفسياً، والوقوف على جميع المعلومات المتعلقة بأحوال ذويه المادية والاجتماعية وبأخلاقه، وبدرجة ذكائه، وبالبيئة والمدرسة اللتين نشأ فيهما، وبحالته الصحية، وبأفعاله السابقة. لكل هذا قرر قانون الأحداث الجانحين وجوب إجراء محاكمة الأحداث سراً بحضور الحدث ووليه أو وكيله أو الشخص المسلم إليه والمدعي الشخصي ووكيله ومندوب مكتب الخدمة الاجتماعية أو مركز الملاحظة، ومراقب السلوك، فضلاً عن ممثل النيابة وكاتب المحكمة. وفضلاً عن ذلك فقد حظر المشرّع أيضاً نشر صورة المدعى عليه الحدث ونشر وقائع المحاكمة أو ملخصها أو خلاصة الحكم في الكتب والصحافة والسينما وبأي طريقة كانت مالم تسمح المحكمة بذلك، وكل مخالفة لهذه الأحكام تؤدي إلى مساءلة المخالف جزائياً عملاً بالمادة 014 من قانون العقوبات.
يمتاز قانون الأحداث الجانحين في سوريا باستقلال نسبي يميزه عن قانون العقوبات العام. إذا وفي إطار سعيه لتحقيق أغراض حماية المجتمع من الخارجين على القوانين والأنظمة، يلجأ هذا القانون إلى مواجهة الأحداث الجانحين بتدابير خاصة تختلف تماماً عن العقوبات العادية المقررة في القانون العام للمجرمين الراشدين، وهي تدابير تستهدف إصلاح الحدث الجانح، ولا تفرض بالمقابل وفقاً للجريمة ومدى جسامتها، بل وفقاً لحالة الحدث الفردية وضرورة إصلاحه، ولا يرجع القاضي إلى قانون العقوبات إلا عند فقدان أي نص في قانون الأحداث الجانحين.