أضافه crinadmin في
الأسرة والمدرسة والمجتمع.. ثلاثي متهم بممارسة العنف ضد الأطفال [28 يناير 2009] كثيرة هي الظواهر الاجتماعية المعتلة، أو المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات الإنسانية عامة، ومجتمعاتنا العربية خاصة. ولعلنا نسمع أو نشاهد أو نقرأ كل يوم أشكالاً من صور الانتهاك أو الإساءة والعدوان ضد الأطفال بطرق مباشرة وغير مباشرة، وفي كل مكان، وأصبح العنف اليوم يشكل جزءاً كبيراً من معاناة الإنسان بشكل عام والطفل بشكل خاص. وحقيقة لقد اختص المجتمع الدولي بالأطفال (دون سن الثامنة عشرة) باهتمام كبير برز بشكل واضح بصدور الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، 1990، والتي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة. وقد تضمنت هذه الاتفاقية عدداً كبيراً من البنود (54 بنداً) الهادفة والشاملة على الحقوق والضمانات الواجب منحها للطفل. وقد صادقت عليها دول العالم، بما فيها الدول العربية, كما صادقت عليها اليمن في عام 1990, وأصبحت الاتفاقية ملزمة للدول الأطراف التي عليها أن توفر لأطفالها الرعاية والحماية, وتمكنهم من الحقوق اللازمة لهم. وفي الجمهورية اليمنية تعد رعاية الطفولة وحمايتها، اليوم، من الأولويات المهمة والقضايا الحيوية والمصيرية, وترتبط مع قضايا ومسائل التنمية البشرية. ويوجد في المجتمع عدد من المؤسسات والقطاعات الرسمية وغير الرسمية التي تعمل على تنفيذ البرامج والمشاريع المتعلقة بالطفولة وتنميتها. كما يتنوع الاهتمام بالأطفال ليشمل مختلف الفئات وعلى وجه الخصوص الفئات ذات الاحتياجات الخاصة أو الطفولة غير المتكيفة وفي ظروف وأوضاع صعبة. لمبررات كثيرة، أهمها أن الأطفال يشكلون ثقلاً في التركيبة السكانية, ويصلون إلى حوالي 48 بالمائة، حسب تقارير محلية. وعادة ما يتصف المجتمع اليمني بأنه مجتمع فتي, نسبة إلى العدد الكبير من الأطفال واليافعة. ومن أبرز وأحدث مظاهر الاهتمام بالطفل اليمني صدور قانون حقوق الطفل رقم 45 لسنة 2002، الذي عني في جميع بنوده بمضامين وأحكام حقوق الطفل، كما جاء متطابقاً مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي يتفاعل معها اليمن اليوم بشكل كبير. إلى جانب أن إنشاء المجلس الأعلى للأمومة والطفولة وتحديثه وتطويره يشكل أمراً جوهرياً في الاهتمام بالطفولة وتنمية أوضاعها. أيضاً الأطفال الأيتام قد يكونون ضحايا للعنف والإساءة والضياع إذا تم إهمالهم نظرا لعدم وجود من يعولهم وهناك تدخل في مجال حماية الأيتام من خلال دور الأيتام ومن خلال كفالة الأيتام في أوساط الأسر، التي تقوم بها الجمعيات الأهلية والذين يصل عددهم إلى حوالي 40 ألف حالة تقريباً. وبالنسبة للكفالة داخل دور الأيتام فهناك 30 داراً لرعاية الأيتام (حكومية وأهلية ومختلطة) تساعد في حماية هؤلاء الأطفال وإعادة تأهيلهم. موضوعات ذات صلة: ** نداء إنساني عاجل: منظمة سياج تدعو القبائل المتحاربة في اليمن إلى عدم استهداف الأطفال أو تجنيدهم للقتال (26 يناير 2009) ** العنف ضد الأطفال: دراسة الأمين العام للأمم المتحدة ** المزيد عن حقوق الطفل في اليمن
"السياسية" تحقق في موضوع العنف ضد الأطفال في اليمن.
** لماذا الأطفال؟
يشكل الاهتمام بالطفل والطفولة اليوم مجالاً كبيراَ وممتداً على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي, انطلاقاً من قيمة الطفل وأهميته, كونه أمل المستقبل, وبالتالي فينبغي التركيز عليه والاهتمام به؛ إذ أن من الحكمة أنك إذا أردتَ أن تصلح أحوال أمة، أي أمة، متخلفة في أسرع وقت, وأن تخرجها من الظلمات إلى النور والنهضة والرخاء فعليك بالتوجه إلى جيل الطفولة, وتجعل جل همك وعنايتك إصلاح أحوالهم وتنشئتهم نشأة غير التي تربي عليها آباؤهم, ولن تمضي سوى سنوات قلائل حتى يكون لديك جيل جديد ودم جديد يحقق المعجزات.
** واقع الطفل اليمني
ولكن رغم هذا الاهتمام المتنامي بالطفل والطفولة في المجتمع اليمني، إلاَّ أن واقع الطفل اليمني ما يزال يحيطه الكثير من التحديات والمشكلات والمعوقات، وهناك أعداد من الأطفال في المجتمع (في الريف وفي الحضر) يعيشون أوضاعا وظروفا غير متكيفة، يتعرضون في كل الأوقات لمخاطر كثيرة. كما أن هناك أطفالاً يعملون في سن مبكرة وفي ظروف مؤلمة وأطفال في الشوارع، محرومين من التعليم ويعيشون على التسول، وأطفال في خطر التهريب. وتتركز الجهود الوطنية اليوم باتجاه هؤلاء، الأمر الذي يعني ضرورة مزيد من الجهود ومزيد من المشاريع والعمل الجاد مع هؤلاء الأطفال. ولا شك أن المسؤولية تجاه الأطفال ورعايتهم في اليمن وفي المجتمع العربي ككل ينبغي أن تتجاوز الاهتمامات والالتزامات الدولية إلى المسؤولية التي ألقاها الدين الإسلامي الحنيف على المجتمعات والأمم وأولياء الشأن ابتداء من الأسرة. فإذا كان اليوم المجتمع الدولي، وعبر منظمة الأمم المتحدة، يلزم الدول الأطراف بالاهتمام بالأطفال، وتمكينهم من الحقوق الإنسانية وهو يتابع باستمرار مدى التزام هذه الدول بالشروط والمواثيق والاتفاقيات الدولية، فإن الإسلام قد سبق هذا الاهتمام المعاصر بما يزيد عن أربعة عشر قرن من الزمان، عندما أقر حقوقاً لبني الإنسان وحقوقاً للطفل ابتداء من تكريم الإنسان ورفعته، والدليل على ذلك عندما أقسم الله سبحانه وتعالى بالذرية في سورة "البلد": {لا أقسم بهذا البلد، وأنت حلٌّ بهذا البلد، ووالد وما ولد}، وغيرها من الآيات. كما عني الإسلام بالغ العناية بالأسرة التي هي منبت وبيئة الطفل الأولى، شرع الضوابط التي تكفل حماية الطفل، وحث أولياء الأمر على تربية الأبناء ومدهم بمختلف المعارف والعلوم، وفي ذلك يقال في الاثر "علموا أولادكم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم"، و"علموا أولادكم السباحة والرماية، وركوب الخيل".
** طفل ضحية العنف
ومن هنا تبدأ قصتنا، فالطفل "م. أ"، 15 عاماً، أحد ضحايا العنف الأسري، يمكث حالياً في دار للأحداث. بدأت قصته عندما بدأ يكبر بالسن، يتضايق من كثرة المشاكل التي كانت تحدث بين والديه، فوالده عصبي جداً ولا يعرف التفاهم أو الكلام بصوت منخفض. وكان (م) يذهب إلى المدرسة ويعود، والمنزل مازال مشحوناً بالمشاكل والمهاترات بين والديه، وأثر هذا على مستواه الدراسي، فكان يهرب من المدرسة ولا يدخل الحصص. وبعد ذلك فكر -حسب قوله- هو وبعض زملائه أن يخرجوا من المدرسة نهائياً وهو ما تم فعلاً. وبرغم من ذلك يقول: "ووالدي لم يمنعني من ذلك حتى أنه لم يعرف أنا في أي صف دراسي. خرجت من المدرسة وبدأت القضية عندما أخذت الفلوس حق عمي لأني شعرت بالحرمان ووالدي لم يعطني مصروفاً ويعاملني بالعنف أيضاً، وعندما عرف عمي أنني أخذت الفلوس لم يسلمني إلى الشرطة، ولكن أبي أصر على ذلك، لأن أبي كان يريد التخلص مني بأية طريقة، وحصلت مشاكل بينه وبين أمي، لأن أمي كانت لا تريدني أن أدخل الدار، ومن يوم دخلت هنا (دار الأحداث) لم يأتِ أبي لزيارتي إلا مرة واحدة".
** العنف
ويمكن تحديد العنف ضد الأطفال -كما أشارت إليه الدراسات العلمية- بأنه: "كل سلوك أو تصرف يرتبط بالقوة أو الشدة أو الإساءة والعدوان موجه نحو الطفل وينطوي على أشكال من الإيذاء البدني واللفظي أو النفسي، بما في ذلك الإهمال واللامبالاة، وهو يحدث لهم في الأسرة والمدرسة والشارع وفي مؤسسات الرعاية الاجتماعية، مثل دور الإيواء, والأحداث, والسجون، وفي أماكن مختلفة من المجتمع المحلي".
وفي هذا الشأن يقول مدير عام الدفاع الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، عادل دبوان الشرعبي: "العنف ضد الأطفال مشكلة كبيرة ومتشابكة ويعانيها الكثير من الدول، ومنها الجمهورية اليمنية. مفهوم العنف واسع ويشمل كثيراً من التعريفات أو المفاهيم الفرعية التي تندرج تحت هذا المفهوم العام"، مشيرا إلى أن مفهوم العنف في اليمن حتى الآن متداول في إطار الدراسات الاجتماعية فقط. أما بالنسبة للدراسات القانونية أو القانون والتشريعات لا يوجد تحديد واضح لقضايا العنف التي ترتكب ضد الأطفال، وإنما موجودة في سياق بعض النصوص القانونية التي تجرم بعض أشكال هذه المشكلة أو تجرم بعض الجرائم التي توصف بأنها جرائم عنف ضد الأطفال.
وأوضح الشرعبي أن المشكلة كبيرة ولكنها للأسف تتصف بالسرية والكتمان، نظراً لأن العنف أغلبه يمارس في أوساط الأسر أكثر من غيره، وهو الذي لا يصل إلى مسامع الجهات المسؤولة لتطبيق ما هو متاح من نصوص توفر حماية جنائية في حالة ارتكاب العنف ضد الطفل، وأن هذه الجرائم تتصف أيضاً بالخجل الاجتماعي.
ومن أنماط العنف الممارس ضد الأطفال وأشكاله حد قوله: "العنف الجسدي والنفسي، سوء المعاملة، الإهمال، والإساءة العاطفية والنفسية"، مؤكدا أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عندما تصلها أي قضية تدخل في إطار قضايا العنف ضد الأطفال تتعامل معها من المنظور الاجتماعي لإعادة تأهيل الطفل الذي تعرض للعنف؛ مثلاً في قضايا تهريب الأطفال: "لدينا مراكز استقبال للحماية والتأهيل تستقبل مثل هؤلاء الأطفال الذين يتعرضون لأشكال عديدة من أشكال العنف والإساءة والاستغلال، ونقدم لهم البرامج الهادفة إلى إعادة تأهيلهم وإعادة إدماجهم، خاصة في جانب التأهيل النفسي. وهناك عدد من الجمعيات الأهلية التي تعمل في معالجة مشكلة العنف ضد الأطفال وتستقبل بعض ضحايا العنف من الأطفال المحتاجين إلى إعادة تأهيل نفسي، من هذه الجمعيات أذكر بالأخص مؤسسة الرحمة، ومؤسسة إنسان - قطاع الأيتام بمؤسسة الصالح، التي تتعامل كثيراً مع هذه القضايا".
** عنف في مؤسسات الرعاية
ولم يستبعد الشرعبي وجود العنف ضد الأطفال داخل مؤسسات الرعاية من قبل العاملين في هذه المؤسسات؛ ولكن يرى أن العنف الجنسي ليس بالمستوى الواضح، وإنما تمارس عملية الضرب وبعض الإهانات وهي ضمن العنف النفسي.
فمن خلال الدراسة التي قام بها المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، وكانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عضواً في اللجنة التي ساعدت على تسهيل هذه الدراسة التي تناولت مشكلة العنف مباشرة، تطرقت إلى موضوع ممارسة العنف ضد الأطفال في المنزل وفي المدرسة ودور الرعاية.
أنشطة الوزارة لعام 2009
أما عن أنشطة الوزارة للعام الحالي 2009 في مجال وقاية الأطفال من العنف وخاصة الأطفال النزلاء في دور ومراكز الرعاية التي تشرف عليها الوزارة في المحافظات، فقال دبوان: "الأنشطة التي ستنفذ خلال شهر الحالي تتلخص في تنفيذ حملات توعية حول الآثار النفسية والجزائية القانونية لممارسة العاملين في دور ومراكز الرعاية الاجتماعية العنف ضد الأطفال والأطفال في 4 محافظات (أمانة العاصمة، تعز، الحديدة، وحجة) كمرحلة أولى". وتستهدف هذه الأنشطة والحملات -حد قوله- توعية 389 موظفا من العاملين في الدور والمراكز الإيوائية حول الآثار النفسية والجزاءات القانونية لممارسة العنف ضد الأطفال للعاملين والأطفال في الدور والمراكز وإكساب 662 من الأطفال النزلاء في الدور والمراكز الإيوائية معلومات حول كيفية حماية أنفسهم من العنف في هذه المواقع ووضع آلية عمل لتعزيز وسائل الرصد لحالات العنف التي قد تمارس ضد الأطفال ومتابعة تطبيق الجزاءات القانونية ضد العاملين الذين قد يرتكبون حالات عنف ضد الأطفال في الدور والمراكز.
** العنف ليس من أساليب التربية
من جانبه أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، الدكتور فؤاد الصلاحي، ضرورة التمييز بين ممارسة العنف ضد الأطفال في المنزل (الأسرة) أو خارجه وبين ممارسة العنف في المدرسة الذي قال إنه وفقا لكل الاتفاقيات والقوانين الناظمة للعملية التربوية يجب أن يكون غير موجود ولا يجوز استخدام العنف بأي حال من الأحوال داخل المدارس والتي عادة تقوم بعملية تنشئة وتعليم وتكوين شخصية الطفل من البداية الأولى، لا أن تتحول إلى عملية إرهابية ضد الطفل لذا فهو مرفوض هنا.
** والقيم الاجتماعية والثقافية
الكثير من الدراسات العلمية والمسوح الميدانية الاجتماعية تؤكد أن العنف الأسري في المجتمع العربي بشكل عام, وفي المجتمع اليمني بشكل خاص، يرتبط إلى حد كبير بمنظومة القيم الاجتماعية والثقافية التي تعطي الأهل الحق في ممارسة العنف على الأبناء انطلاقاً من السلطة أو الحقوق الأبوية, وكثيراً ما يختلط العنف الأسري تجاه الطفل بمفهوم التأديب كوسيلة للحصول على طاعة الطفل وإخضاعه لتحقيق توقعات الأهل، بل ينظر إليهم (الأطفال) كقاصرين في نظر الكبار ومن حق هؤلاء أن يبحثوا في حاجاتهم ومسائلهم وحتى مشكلاتهم من خلال وجهات نظرهم ككبار، وبالتالي فإن أي اعتراض للطفل وحتى المراهق على سلوك والديه أو الذين في حكم الكبار وأي رفض يصبح الأطفال عرضة للإيذاء واستعمال القوة والقسوة، لأن في ذلك خروجاً على العرف الأسري.
** 88.2 بالمائة من الأطفال يعاقبهم الوالدان
في دراسة يمنية حديثة حول العنف ضد الأطفال بشكل عام، أشار حوالي 88.2 بالمائة من أطفال العينة إلى أن النمط الغالب في تعامل الأبوين معهم عند ارتكاب أي فعل أو خطأ هو العقاب بأشكاله المختلفة، وقليل من الأهل من يستخدم الأساليب التربوية كالتفاهم وشرح الخطأ أو التحذير من تكراره. كما أشار معظم الأطفال في المناقشات (البؤرية) إلى أن الآباء لا يتيحون لهم فرصة إبداء الرأي والحوار والنقاش، وإنما يميلون إلى إسكات الطفل عند الحديث، ومعاملة الصغير بقسوة، مقابل معاملة الكبير باحترام. كما أشار هؤلاء إلى أن من أهم مسببات تعرضهم كأطفال للعقاب في البيت: عدم طاعة أمر الوالدين، إهمال الواجبات المدرسية، والتأخر في العودة إلى المنزل.
** مناقض لأساليب التربية الحديثة
وهنا يعود الدكتور الصلاحي موضحا أن العنف ضد الأطفال ليس من أساليب التربية داخل المدرسة أو الأسرة، وأنه داخل الأسرة يختلف لاعتبارات عديدة، منها ظروف الوالدين ومستواهما الثقافي والتعليمي، إضافة إلى عدد أفراد الأسرة ونمط الحياة العامة الممتلئة بالمشكلات والأزمات التي تولد بعض ملامح العنف الموجهة ضد الأطفال.
وأضاف: "من الأسباب التي تدفع ببعض الأسر لممارسة العنف ضد أطفالها أن تكون الأسرة متفككة (طلاق أو زواج الأب من أم أخرى وغيرها) أو -وهو السائد- لا توجد ثقافة لتربية الطفل داخل الأسرة، أو نستطيع القول إن الثقافة والتقاليد اليمنية تعطي مشروعية للعنف أو ضرب الأطفال، برغم أن هذا مناقض لأساليب التربية الحديثة التي ندعو إليها. كما أن الظاهرة تزداد وفقا لحالات المجتمع وظروفه الثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى أن منغصات الحياة اليومية ومتطلبات الأطفال تؤدي بالأب والأم إلى ممارسة العنف ضد أطفالهم كبديل لعدم تمكنهم من تلبية احتياجات الطفل. وهذه القضية في إطار الواقع الاقتصادي الاجتماعي لا نبررها، إلى جانب أن العنف سائد بين الأطفال أنفسهم داخل الأسرة اليمنية".
والجدير بالذكر، وبحسب الدكتور الصلاحي، أن الإعلام والمدرسة والمسجد كلها يغيب عنها أساليب التربية الحديثة، "الأمر الذي يجعل المجتمع يعيش وفقا لمنظومة من الأعراف والتقاليد الموروثة تاريخيا. ففي العالم كله هناك عقوبات ومحاكم لمن يمارس العنف ضد الطفل في المدرسة، وعندنا أعتقد لا يزال العنف سائدا في المدرسة". ويرى الصلاحي أن استراتيجية التعليم ووزارة التربية والتعليم تجهل كلية الأساليب الحديثة في التربية، متسائلا: "وإلا لماذا ينتشر العنف داخل المدارس؟ هناك عنف من المدرسين تجاه الطلبة ومن الإدارة تجاه المدرسين والطلبة في آن واحد، والعنف موجه ضد الطلاب من الصف الأول الابتدائي حتى الصف السادس على الأقل".
ويزيد فيقول: "أستطيع القول إن المدرسة في اليمن لا تستطيع أن تكون صديقة للطالب، وهذه مسألة تربوية حديثة. يجب أن نجعل من المدرسة صديقة للطالب، خصوصا وأن الطلاب في اليمن ينفرون من المدارس، وأحد الأسباب في ذلك الأساليب التي تمارس من المدرسين ضد الأطفال.
ولا نريد أن يفهم خطأ من سياق حديثنا السابق أننا ضد ممارسة عملية التأديب الأسري. لا، بالعكس، إن تأديب الأطفال في الإطار العائلي وفي الإطار المدرسي جزء هام وضروري في عملية التنشئة الاجتماعية، ولكن الاختلاف هو في أساليب وطرق التأديب".
** ثقافة تربوية حديثة
وهنا يدعو الصلاحي إلى تربية ديمقراطية داخل الأسرة، و"أن يكون هناك مساواة بين الأطفال وحوار بين الأب وأطفاله وأن يكون العنف غائبا في أساليب التربية"، وأن تسعى وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني إلى نشر ثقافة تربوية حديثة داخل الأسرة اليمنية والمدرسة وتجعل منهما مكانا لتلقي ثقافة الحوار والتسامح وثقافة الاختلاف وأن تكون الأساليب بعيدة عن العنف بقدر الإمكان. كما دعا وزارة التربية والتعليم إلى اعتماد رؤية حديثة في أساليب التربية وأن تمنع وتحرم استخدام العنف داخل المدارس وإلى حملة توعية مستمرة يقوم بها الإعلام تجاه الأسرة اليمنية لتقليص هذه الظاهرة.
** انعكاس العنف ضد الأطفال
وزاد الصلاحي: "العنف الذي يتعرض له الأطفال، سواء كان ضربا أم تحرشا أم عنفا لفظيا، وهم في سن مبكرة، خطير جدا، قد ينعكس سلبا على الأطفال حاضرا ومستقبلا، وهولا يخلق لدى الطفل استقرارا في الشخصية، حيث يجعل شخصيته مضطربة وغير سوية، الأمر الذي يؤثر في نموه العقلي والجسمي". وفيما يخص انعكاس سلوك العنف الأسري ضد الأطفال وردود الفعل عندهم، فقد كشفت بعض الدراسات العلمية أن العنف يفقد الطفل الثقة والحماية والأمان داخل الأسرة، ويلجئه إلى خارجها، إما بالشكوى إلى أشخاص آخرين وإما بالانكفاء على النفس. كما تفيد قراءات علمية عديدة بأن العنف يضعف من قدرات الأطفال التعليمية والإنتاجية, ويأتي بردود أفعال كثيرة، منها: عدم الشعور بالرضا، وعدم الامتثال للأوامر، أو رفض النصح، واللجوء إلى التدمير وإثارة الشغب، أو أن يعرض الطفل نفسه للخطر، باتخاذ أسلوب عنف ضد نفسه، إلى جانب تشبعه بالسلوك العدواني وتوجيهه نحو الآخرين فيما بع، وعدم القدرة على التكيف مع المواقف الاجتماعية، والشعور بالإحباط، والهروب من البيت واللجوء إلى الشارع؛ وفيه أعظم عنف على الأطفال.
** أساليب التنشئة الاجتماعية التقليدية
في المقابل أشار التقرير الاجتماعي السنوي الأول لعام 2007 الصادر عن المركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل في محوره الخاص بقضايا العنف ضد الأطفال إلى أن إيقاف العنف الأسري والمجتمعي تجاه الأطفال لا بد أن يبدأ من الأسرة نفسها وبمساعدة المجتمع بأكمله. ودعا إلى إقامة برامج توعية للأسرة وتوجيهها نحو إعادة النظر في أساليب التنشئة الاجتماعية التقليدية التي تقوم على القسوة والشدة وحثها على الأخذ بأساليب تنشئة اجتماعية تحقق البناء النفسي والاجتماعي السليم للأبناء وتجعل منهم جيلاً واعداً وإلى تبصير الأسرة بأن الضرر بالأطفال يعود عليها وعلى المجتمع بالسلب، وحثها على أن تستبدل بثقافة العنف ثقافة الحوار وتنمية الديمقراطية في الأسرة. وقال التقرير: "على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبالتعاون مع المنظمات الأهلية الحقوقية، متابعة أحوال الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري وكذلك العنف المجتمعي، والعمل على إعادة تأهيل الأطفال المعنفين من أجل تكيف سليم لهم"، مؤكدا أهمية القدوة الحسنة للطفل, ابتداءً من الأب فالأم فالمدرس والمربي، وأن تعمل الدولة على زيادة الأنشطة الرياضية والترفيهية والاهتمام بالمتنفسات الطبيعية؛ حتى ينطلق الآباء مع أبنائهم إلى هذه الأماكن الفسيحة وقضاء وقت ممتع معهم فهذا سوف يخفف من حدة العنف في الأسرة. وأضاف التقرير: "على وسائل الإعلام أن تلعب دوراً كبيراً في تعميق ثقافة الحوار بين الآباء والأبناء إلى جانب الاهتمام بالدراسات والبحوث العلمية التي من شأنها أن تسهم في تحديد حجم المشكلات الأسرية, والعنف في الأسرة والاستفادة من نتائج هذه البحوث في إعداد الاستراتيجيات والخطط والبرامج المتعلقة بحماية الطفل وطفولته.