أضافه nattallah في
(بغداد) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على مجلس الوزراء العراقي أن يسحب مشروعاً جديداً لقانون الأحوال الشخصية وأن يضمن حماية الإطار القانوني العراقي للسيدات والفتيات بما يتماشى مع التزامات العراق الدولية؛ فمن شأن التشريع المزمع أن يقيد حقوق المرأة في ما يتعلق بالميراث وحقوق الأمومة وغيرها من الحقوق بعد الطلاق، وأن يسهل على الرجال تعدد الزوجات، وأن يسمح للفتيات بالزواج من سن التاسعة.
يستند مشروع القانون، المسمى قانون الأحوال الشخصية الجعفرية، إلى مبادئ المدرسة الفقهية الجعفرية لدى الشيعة، والتي أسسها الإمام جعفر الصادق، سادس أئمة الشيعة. بعد موافقة مجلس الوزراء في 25 فبراير/شباط 2014، يبقى على القانون الآن نيل موافقة البرلمان للعمل به.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "من شأن تبني القانون الجعفري أن يمثل خطوة كارثية وتمييزية فيما يتعلق بسيدات العراق وفتياته، فهذا القانون الخاص بالأحوال الشخصية لن يعمل إلا على تكريس انقسامات العراق بينما تزعم الحكومة تأييد الحقوق المتساوية للجميع".
من شأن مشروع القانون أن يغطي المواطنين والمقيمين الشيعة داخل العراق، وهم أغلبية وسط السكان البالغ عددهم 36 مليوناً، ويشتمل على بنود تحظر على رجال المسلمين الزواج من غير المسلمات، وتقنن الاغتصاب الزوجي من خلال التصريح بأن المعاشرة الزوجية حق للزوج بصرف النظر عن رضا الزوجة، وتمنع السيدات من مغادرة المنزل دون إذن أزواجهن. كما يمنح القانون حضانة أي طفل بلغ الثانية من العمر أو تجاوزها تلقائياً للأب في قضايا الطلاق، ويخفض سن الزواج إلى التاسعة للفتيات والخامسة عشرة للصبية، بل ويسمح للفتيات دون التاسعة بالزواج بموافقة أحد الوالدين.
تقدم وزير العدل، حسن الشمري، بمشروع القانون إلى مجلس الوزراء في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2013، وفي ديسمبر/كانون الأول قال المجلس إنه سيؤجل النظر في مشروع القانون إلى ما بعد الانتخابات التشريعية المقررة في 30 أبريل/نيسان 2014، وبعد موافقة المرجعية الشيعية الدينية العليا على المسودة، وهو ما لم تفعله حتى الآن. إلا أن المجلس مضى ووافق على المسودة في 25 فبراير/شباط رغم معارضة قوية من مناصري الحقوق وبعض القيادات الدينية.
أما قانون الأحوال الشخصية العراقي الراهن (القانون 188 لسنة 1959)، الذي ينطبق على كافة العراقيين بصرف النظر عن الطائفة الدينية، فيحدد سن الزواج بـ18 عاماً، إلا أنه يسمح للقضاة بتزويج فتيات حتى سن 15 سنة في القضايا "العاجلة". في ديسمبر/كانون الأول 2012، أفادت صحيفة "السفير" اللبنانية بأن معدلات الزواج المبكر لفتيات العراق قد ارتفعت على نحو ملحوظ في العقد الماضي. وفي 2013 أفاد المكتب المرجعي للسكان، وهو منظمة دولية، بأن "انخفاض معدلات الزواج المبكر قد توقف في العراق"، مستشهداً بإحصائياته الخاصة التي تقرر أن 25 بالمئة من الفتيات تتزوجن قبل بلوغ الثامنة عشرة، و6 بالمئة قبل بلوغ الخامسة عشرة. ومن شأن بنود مشروع القانون أن تقنن مشكلة زواج الأطفال المتنامية في العراق بدلاً من محاولة حلها، وهذا بحسب هيومن رايتس ووتش.
وينتهك مشروع القانون اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)، التي صدق عليها العراق في 1986، بمنح حقوق أقل للسيدات والفتيات بناءً على نوعهن الجنسي. كما ينتهك اتفاقية حقوق الطفل، التي صدق عليها العراق في 1994، بتقنين زواج الأطفال وتعريض الفتيات لمخاطر الزواج المبكر والقسري ومخاطر الاستغلال الجنسي، وعدم الإلزام باتخاذ القرارات المتعلقة بالأطفال في قضايا الطلاق على ضوء المصلحة الفضلى للطفل.
قالت هيومن رايتس ووتش إن مشروع القانون يتجاهل المادة الثانية من الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة عن طريق تقنين الاغتصاب الزوجي. وقد قامت لجنة السيداو، وهي الهيئة المكونة من خبراء دوليين والتي تراجع التزام الدول بالاتفاقية، في مراجعتها لتقارير العراق بتاريخ 28 فبراير/شباط 2014، بدعوة الحكومة إلى "سحب مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية على الفور". ويبدو أيضاً أن القانون ينتهك العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال منح حقوق أقل لبعض الأفراد على أساس الدين.
كما أن مشروع القانون يتناقض بشكل صارخ مع المادة 14 من الدستور العراقي، التي تحظر "التمييز والتفرقة بين العراقيين" وتضمن المساواة لكافة العراقيين "دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي".
وإضافة إلى قلق لجنة السيداو من النصوص التمييزية المحددة في مشروع القانون فقد خلصت اللجنة، بوجه أعم، إلى "أن قوانين الأحوال الشخصية والأعراف المستندة إلى الهوية تديم التمييز ضد المرأة، وأن الاحتفاظ بنظم قانونية متعددة ينطوي بذاته على تمييز ضد المرأة". وكان قد سبق للجنة أن قالت إن غياب الاختيار الفردي فيما يتعلق بانطباق أو مراعاة قوانين وأعراف بعينها يفاقم من هذا التمييز.
قام طيف واسع من النشطاء الحقوقيين، وزعماء السنة والشيعة الدينيين، والقضاة في العراق بانتقاد مشروع القانون كونه تمييزياً، ويخالف النصوص الدينية، ويكرس الانقسامات الطائفية في العراق بالقانون لأنه مخصص لطائفة بعينها. كما قامت شبكة النساء العراقيات، وهي اتحاد يضم جمعيات لحقوق المرأة، بتنظيم مظاهرات يوم 8 مارس/آذار، اليوم العالمي للمرأة، واصفين إياه بأنه يوم حداد في العراق.
قالت ناشطة حقوق المرأة بسمة الخطيب لـ هيومن رايتس ووتش إن "العراق في صراع، ويشهد انهياراً لسيادة القانون، ويمهد تمرير القانون الجعفري الطريق لانعدام المساواة المقنن".
وكانت لجنة السيداو في مراجعتها قد أوصت أيضاً بأن يلغي العراق الاستثناءات القانونية التمييزية من الحد الأدنى لسن الزواج للفتيات في قانون الأحوال الشخصية الراهن، وقالت إن الاستثناء القانوني من الحد الأدنى لسن الزواج لا ينبغي أن يمنح إلا في حالات استثنائية، وأن يكون بتفويض من محكمة مختصة للفتيات والصبية على السواء، وألا يمنح إلا في الحالات التي لا يقل سنهم فيها عن 16 سنة مع إبداء الرضا الصريح. كما أوصت اللجنة بأن يتخذ العراق الإجراءات التشريعية اللازمة لحظر تعدد الزوجات، الذي يبيحه القانون الراهن في ظروف معينة.
وقد أبدت اللجنة بوجه أعم القلق من الوضع العام الردئ لحقوق المرأة في البلاد، الذي عزته جزئياً إلى قيام الحكومة "بتعزيز دور القطاع الأمني" على حساب فرض سيادة القانون، حيث أن مبادراتها "لم تول عناية كافية لإقرار آليات المحاسبة... وقد أدت إلى تفشي الإفلات من العقاب". وقالت اللجنة إنها "تشعر بقلق خاص من أن هذا الوضع، علاوة على انتشار الفساد، قد ساهم في زيادة العنف ضد المرأة من جانب جهات تتبع الدولة وجهات لا تتبعها، وكذلك في تعزيز المواقف التقليدية والأبوية التي تحد من تمتع السيدات والفتيات بحقوقهن".
قال جو ستورك: "يضرب هذا المشروع لقانون الأحوال الشخصية عرض الحائط بالتزام الحكومة العراقية القانوني بحماية حقوق السيدات والفتيات، وقد يؤدي تمرير البرلمان له إلى المزيد من القوانين التمييزية. قد يكون وجود دستور جيد مفيداً على الورق، لكن على المشرعين احترام مبادئه".