أضافه crinadmin في
لؤي اسماعيل بي بي سي - لندن تبث قناة بي بي سي العربية مساء الرابع عشر من مايو أيار، فيلماً وثائقياً حول دور رعاية الأطفال ذوي الإعاقة في الأردن. الفيلم يعتمد على نتائج تحقيقات صحفية استمرت نحو عام، كما اعتمد على التصوير بكاميرات سرية. يظهر الفيلم الوثائقي الذي تبثه بي بي سي العربية أن ما يلقاه الأطفال في بعض دور رعاية المعوقين في الأردن بعيد جداً عن مفهوم الرعاية التي يفترض أن تقدمه، فبدلاً عن تلبية احتياجاتهم الخاصة يتعرضون بشكل يومي للضرب، والإهانات، والحرمان من الطعام، والتعليم، وغيرها من أوجه سوء المعاملة. لعل من حقنا افتراض أن السياق العام لما يتناوله تقرير بي بي سي حول سوء معاملة الأطفال المعوقين في دور الرعاية الخاصة في الأردن، هو تلك النظرة الدونية إلى ذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة في المجتمع العربي. بل لعل الكثير من المشاهد والأحداث التي ستراها عيون المشاهدين ليست سوى تجسيد قاس ومؤلم لتلك النظرة المجتمعية لذوي الإعاقة. ومن أكثر الحالات التي تصيب المشاهد بالصدمة حالة الفتاة الكفيفة والمصابة بالشلل (دانيا)، التي تعيش منذ زمن طويل جداً في مكان واحد فقط، صغير جداً، وفي وضعية واحدة: مستلقية على جانبها على سريرها. المشرفون على دانيا لا يسمحون لها بمغادرة السرير بل إنهم لا يقتربون منها إلا لإطعامها أو لمساعدتها في قضاء حاجة. ودانيا أمضت على هذه الحال ما يقارب ربع عمرها، حتى أن ظهرها أصيب بالانحناء الدائم بسبب الوضعية التي ظلت عليها طوال تلك السنوات. ولا يبدو أن هناك نهاية لهذه الحال التي تعيشها هذه الطفلة، فأهلها أخبروا الدار إنهم لا يريدون أن يتم الاتصال بهم إلا في حال واحدة: عند وفاة ابنتهم. يمكن القول إن وضع دانيا يختصر إلى حد كبير حجم المشكلة التي تواجه ذوي الإعاقة في الأردن. فدُور الرعاية تحولت إلى وسيلة للتربّح، أي إلى مشروع تجاري يؤمن ما يعادل آلاف الدولارات الأميركية من الدخل الثابت شهرياً. يوجد في الأردن اليوم 54 داراً خاصة لرعاية المعوقين، أغلبها موجود في عـَـمَّان. وأجور هذه الدور مرتفعة، وتقدم وعوداً كثيرة بالاهتمام بالطفل النزيل وتزويده بما يحتاجه. وغالبية هذه الدور لديها قيود صارمة تمنع أي شخص لا علاقة له بالطفل النزيل أو من غير العاملين بزيارته. بمعنى أن كثيراً من هذه الدور تحولت إلى أسوار مرتفعة، موصدة الأبواب، لا أحد يمكن أن يعرف ما يجري خلفها. وهذا زاد شكوك العاملين على هذا التحقيق، وزاد من قلقهم. الحالات التي رصدتها كاميرا بي بي سي كثيرة. هناك أحمد، الصبي الذي زاره أبوه فجأة بعد نحو عشرين يوماً من تركه في دار الرعاية، ليرى رأسه مجروحة ومضمدة، ووجهه مخدوشاً ومجروحاً، وأحد أصابع كفه مكسورة. وهناك الطفل المَدمي القدمين لأسباب لا نعرفها، والذي لم تتمكن صحفيتنا من إسعافه أولياً لغياب أي أدوات إسعاف في الدار. هناك حرمان الأطفال من الطعام وحرمانهم من أي نوع من أنواع النشاط خلال اليوم. وهناك الأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية. في يومياتها التي سجلتها للكاميرا، تتحدث حنان خندقجي عن العذاب النفسي الذي كانت تمر فيه ابتداء من اليوم الأول لتطوعها في الدار. فها هي تراقب أطفالاً أغلبهم وُلدت إعاقته معه وجميعهم اضطروا للإقامة تحت سقف دور اختارها ذووهم لهم أملاً في حصولهم على رعاية جيدة. وكثير من هؤلاء الأطفال ينتهي به الأمر وهو يعيش عمراً كاملاً يعاني من اضطهاد نفسي وجسدي عير مسبوق ولا يمكن لممارسيه أن يتحملوه لأيام قليلة. ليس كل ما في الفيلم الوثائقي هذا قاتم جداً. والواقع أن سمعة دور رعاية الأطفال وذوي الإعاقة في الأردن "جيدة" عموماً في المنطقة حتى أن كثيرين من خارج البلاد يرسلون أولادهم إلى دُور الأردن بسبب سمعتها. والواقع أيضاً أن بي بي سي لم تتمكن من إرسال صحفييها ليعملوا بشكل سري إلا إلى اثنين من الدُور الأربع وخمسين الموجودة في الأردن، كما أن الوثائق الحكومية لم تسجل فيها شكاوى إلا على ثمان من دُور الرعاية الأردنية. بل إننا نشاهد دور رعاية تقدم ما يُتوقع من دور رعاية المعاقين أن تقدم، ونستمع إلى سبب تميزها عن غيرها. وثائقي "خلف جدران الصمت" غير مسبوق لعدة أسباب، فهو ينقل لنا بالصورة والصوت "رعاية" صادمة لكن كثيرين يرونها مقبولة، كما يبدو، بل البعض يتفهمها ويراها مُبررة. إلا أن متلقي هذا العذاب يرون الأمر بشكل مختلف تماماً؛ فهؤلاء يعتمدون تماماً على المشرفين والمشرفات عليهم في دور الرعاية، ويعيشون، بل يوجدون، عبر ما يقوم به ويقدمه المشرفون لهم. وهكذا يكون عالمهم الصغير داخل الدار عالم رعب وقلق وخوف وألم. قد يكون هذا، بالنسبة لكثير منهم، نسخة مكثفة من عالمهم خارج الدار. فهل يمكن أن نبدأ الآن حواراً داخل مجتمعاتنا يُعامِل الأطفال ذوي الإعاقات كبشر، بشرا حقيقيين؟ خلف جدران الصمت: وثائقي بي بي سي عن رعاية الأطفال في الأردن
حالات صادمة
قسوة واعتداءات